باريس ـ بسّام الطيارة
تستعدّ فرنسا للدخول في أسبوع إضراب ثانٍ قد يكون أقسى من الأوّل بسبب تشنّج الفرقاء وتشابك التصريحات، وخصوصاً بعد خروج رئيس الوزراء فرانسوا فييون بتصريح طالب فيه المضربين بالعودة إلى العمل قبل فتح المفاوضات، في ظلّ محاولة سيّد الإليزيه استقطاب شخصيات جديدة من اليسار وأنصار البيئة، في مقدّمهم المناضل البيئي جوزيه بوفيه على غرار ما فعله عندما أتي بفريق اشتراكي إلى حكومته.
وقد اتهمت بعض الأوساط النقابية فييون بالتلاعب والخداع، إذ إنّ قبول الحكومة بالدخول في المفاوضات الثلاثيّة إلى جانب الشركات الكبرى والنقابات «كان السبب الرئيس في تراجع حدّة الإضراب»، لا بل كما تقول النقابات الأكثر راديكالية «سبباً في تفكّك التعاضد النقابي».
وكان فييون قد صرّح، عقب لقاء مع وزرائه، عشيّة اجتماع في قصر الإليزيه مع الرئيس نيكولا ساركوزي لتدارس الوضع، «إنّنا نطالبهم بالعودة إلى العمل حتى تبدأ المفاوضات». إلّا أنّه بعد ردّة الفعل التي تجسّدت في زيادة عدد المضربين يومي السبت والأحد نسبياً، عاد ليشدّد على «أنه لا يضع شرط العودة مدخلاً للتفاوض» وفسّر تصريحاته بأنّها موجّهة «إلى زعماء النقابات للمطالبة بوقف الإضراب بشكل يؤثّر على الجمعيات العامّة النقابيّة» لكي تقرّ العودة إلى العمل.
ويدرك فييون، كما هو أمر زعماء النقابات، أنّ أجواء القاعدة العمّالية بعيدة جداً عن تخفيف حدّة الإضراب، وأنّ قرار استمرار الحركة هو في أيدي القاعدة التي رفضت إعطاء «شيك على بياض» لزعمائها. ويقول أحد المضربين، لـ«الأخبار»، إنّ القاعدة تتخوّف من «أن يشتري ساركوزي زعماء النقابات بوعود أو بمراكز في حكومته»، مشيراً إلى غياب الاشتراكيّين عن النزاع العمّالي بسبب سياسة الانفتاح التي اتبعها ساركوزي فور وصوله وانضمام عدد لا بأس به من الاشتراكيّين إلى حكومته، ما «سحب القوّة السياسية التي من المفترَض أن تأخذ بيدها الحركة العمالية لتحوّلها إلى معارضة سياسية».
أمّا على صعيد ردّة فعل المواطن، فقد بدأ الفرز الذي ظهر في الانتخابات الرئاسية يطفو على وجه المجتمع الفرنسي. فقبل يومين، استقبل ساركوزي الزعيم اليميني المتطرّف جان ماري لوبين (الذي اُعيد انتخابه أمس رئيساً لحزب الجبهة الوطنية)، بينما يسعى فريقه المعاون لاستمالة أحد المرشّحين السابقين للانتخابات فريديرك نيلوس، الذي كان قد طلب التصويت لساركوزي في الدورة الثانية، بهدف تكليفه بمهمّة «إعداد دراسة لتنشيط الاقتصاد الزراعي».
كما تتحدّث بعض الأوساط عن «إمكان الانفتاح على مرشّح معارضي العولمة والمزارعين» الناشط جوزيه بوفيه، وخصوصاً بعدما عمدت الحكومة إلى الأخذ ببعض مطالبه بوقف زراعة «البذور المعدّلة جينياً» (ogm).
ويرى بعض المراقبين أنّ قرار الحكومة قبل يومين من تاريخ نطق الحكم القضائي بحقّ بوفيه، شكّل هدية للرجل و«حشر القاضي في الزاوية»، إذ كيف يمكن للقضاء الحكم على أعمال عادت الحكومة وأقرّت بجدواها؟ من هنا، يأتي تخوّف الراديكاليّين من العمّال من «ألاعيب ساركوزي» تحت عناوين مختلفة منها «الانفتاح».