معمر عطوي
أن تبحث الوكالة الدولية للطاقة الذرية، على مدى أشهر، مسألة توضيح «المسائل العالقة» في ما يتعلق بأنشطة سابقة لتخصيب اليورانيوم في البرنامج النووي الإيراني، وتؤكد في الوقت نفسه إعلان طهران عن تشغيل 3000 وحدة طرد مركزي، فإن في المسألة التباساً يصعب جلاؤه.
يزيد من عقدة هذا الالتباس أن التقرير الأخير للمدير العام لوكالة الطاقة الدولية محمد البرادعي، قد حاول التوفيق بين عدم السقوط في «فخ عراقي» آخر، وبين إرضاء «نزوات» القوى الغربية، التي تمكّنت من التقاط الإشارات المناسبة لها في التقرير من أجل السير في مشروع قرار جديد يقضي بعقوبات مشدّدة على إيران.
لكن السؤال الأبرز هنا، ماذا يمكن أن تستفيد وكالة الطاقة من تعاون إيران في جلاء الغموض بخصوص أنشطة سابقة، في وقت تعلن فيه طهران على الملأ، عدم تراجعها عن التخصيب؟ بل أكثر من ذلك، الإعلان عن زيادة أعداد أجهزة الطرد المركزي التي تستطيع تنقية اليورانيوم لاستخدامه ليس فحسب كوقود لمحطات الطاقة، بل في صنع قنابل ذرية.
لا شك في أن التطوير السري الذي أجرته الجمهورية الإسلامية على أجهزة الطرد المركزي خلال الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي وكذلك تصاميم وأجزاء تم الحصول عليها من السوق السوداء، قد أسهم في تحقيق هذه الإنجازات، التي ستتوّج عما قريب بالإعلان عن امتلاك الوقود النووي.
لذلك، جاء التقرير مبهماً في سياق شرحه لبرامج التخصيب، إذ أشار الى أن الوكالة غير قادرة على التأكد من عدم امتلاك ايران لبرنامج للتخصيب العسكري في أماكن سرية، لأن طهران لا تزال ترفض زيارات المفتشين الدوليين لبعض المنشآت.
ومع إنشاء محطة «ناتنز» للتخصيب في عام 2002، انتقلت الأنشطة الإيرانية لتخصيب اليورانيوم إلى مرحلة متقدمة، ولا سيما أن هذه المحطة قد صممت لتستوعب حوالى 50 ألف وحدة للطرد المركزي، وتكون قادرة على إنتاج حوالى 500 كيلوغرام من اليورانيوم عالي التخصيب سنوياً.
الأهمّ في الأمر أن اكتشاف تصاميم من الجيل الثاني من أجهزة الطرد من طراز «بي 2» سابقاً، التي كانت الى جانب طراز «بي1» مجال المفاوضات الإيرانية مع وكالة الطاقة، خلال الشهرين الأخيرين، قد أثار حيرة مفتشي الوكالة، ولا سيما أن مصدر هذه التصاميم كان شركة «يوريكو» النووية (وهي عبارة عن اتحاد ألماني ــــــ بريطاني ــــــ هولندي) للتخصيب.
وربما كانت فترات ايقاف التخصيب التي عبرَّت من خلالها طهران عن استجابتها لضغوط الترويكا الأوروبية (ألمانيا وفرنسا وبريطانيا) خلال اتفاق باريس عام 2004، أحد أسباب عدم تمكّن النظام الإسلامي حتى الآن من التوصل الى استخدام الطاقة النووية.
لكن منذ تسلّم الرئيس محمود أحمدي نجاد للسلطة عام 2005، خطت ايران خطوات سريعة على طريق التطور النووي، حتى توصلت في العام الماضي إلى استخدام 164 جهاز طرد مركزياً، بإمكانها التخصيب بنسبة 3.5 في المئة.
بيد أن الإعلان الأخير عن امتلاك 3000 جهاز للطرد، قد يمكّن إيران في وقت قريب من التوصل الى دخول النادي النووي.
يدعم هذه الفرضية تصريح مسؤول في الأمم المتحدة أكد فيه أن «إيران ستحتاج الى حوالى 18 شهراً لإنتاج كميات من المواد الانشطارية اللازمة لصنع قنبلة واحدة، إذا قامت بتغذية ثلاثة آلاف جهاز للطرد المركزي باليورانيوم بأقصى طاقة إنتاجية ولفترات طويلة».
من الواضح أن ثمة التباساً في تعاطي المجتمع الدولي مع البرنامج النووي الإيراني، قد يشير الى قناعة تامة لدى قوى الغرب بأن امتلاك طهران المفترض للطاقة النووية أصبح أمراً حتمياً، لكن كيف يمكن منعها من إدراك ذلك. هذا ما يجعل وكالة الطاقة والقوى العالمية تتصرف مثل «بالع الموس» إزاء مفاضلة غير عادلة بين عقوبات مشدّدة وضربة عسكرية.