أرنست خوري
مع تسارع الخطوات القانونيّة التي من شأنها حظر نشاط أكبر حزب سياسي ممثّل لأكراد تركيا، «المجتمع الديموقراطي»، يكون عسكر البلاد قد سجّلوا نقطة في حربهم الباردة مع رجب طيب أردوغان، الذي يمثل الإسلاميين المعتدلين.
وإذا كانت محطّة الثاني والعشرين من شهر تمّوز الماضي، موعد الانتخابات التي أتت بعشرين نائباً من الحزب المذكور إلى البرلمان، أنعشت آمالاً بفتح صفحة جديدة من العلاقات «التطبيعيّة» بين الأكراد والنظام، فإنّ السير بالدعوى القضائيّة على الحزب الكردي، سيكون من دون شكّ ضربة قويّة لجهود فريق أردوغان والرئيس عبد الله غول لتهدئة الرأي العام الذي لم ينسَ بعد ما رآه «تساهل» الحكومة مع هجمات حزب العمّال الكردستاني.
ونجحت المؤسّسة العسكرية في تصوير حزب المجتمع الديموقراطي توأماً للعمّال الكردستاني، فاستعانت بوسائل إعلام شنّت منذ العملية العسكرية للعمّال الكردستاني في تشرين الأول الماضي، حملة عنيفة لتصوير النوّاب الـ 20، الذين يمثّلون أكثر من 15 مليون كردي تركي، على أنهم شياطين. كذلك استفادت مؤسّسة الجيش من وجود أحزاب يمينيّة قوميّة، يصل تأثيرها إلى مؤسّسة القضاء. فعلى سبيل المثال، لم يتردّد مدّعي عام محكمة التمييز عبد الرحمن يلشنكايا يوم الجمعة الماضي، في وصف الحزب بأنه «بات ملجأً للنشاطات المعادية لوحدة الدولة التركيّة واستقلالها». وبات الحسم في القضيّة أمام المحكمة الدستوريّة، إذ يُطرَح عدد من السيناريوهات، سيحاول أردوغان الضغط في سبيل تفادي الوصول إلى الأسوأ منها.
أولاً، من المحتمل أن يصار إلى حظر هذا الحزب لمدّة 5 سنوات على أقلّ تقدير، ومن الممكن رفع الحصانة النيابيّة عن نوابه، الأمر الذي يفتح الطريق أمام محاكمتهم بتهم الخيانة الوطنيّة، خصوصاً بعدما تبيّن أنّ عدداً من النواب والنائبات الأكراد مرتبطون مباشرة بأزواج يقاتلون إلى جانب حزب العمّال على الجبهات.
وكان أردوغان جازماً في رفضه طلب الحزب اليميني المتطرّف (حركة العمل القومي) رفع الحصانة النيابيّة، فجسّد في ذلك منتهى الواقعيّة السياسية عندما اعترف بأنّ اتخاذ إجراء قانوني بهذه القساوة في حقّ «المجتمع الديموقراطي»، سيؤدّي حتماً إلى «إرسال النوّاب إلى الجبال» للقتال إلى جانب العمّال الكردستاني.
ومن ضمن القرارات المتوقَّع أن تأخذها المحكمة الدستورية قريباً، منع الحزب الكردي من تقديم المرشّحين إلى الانتخابات البلديّة في العام المقبل. وإذا حصل ذلك، يتحقّق الوعد الذي قطعه عبد الله غول (على سبيل المزاح) خلال جولته الكرديّة قبل شهرين، عندما خاطب عبد الله أوجلان قائلاً له ما معناه: سيأتي يوم يكون فيه رئيس بلديّة ديار بكر من حزب العدالة والتنمية!
النوّاب الأكراد يعرفون أنّه يجب عليهم انتظار الأسوأ. أصلاً تعوّدوا حظر أحزابهم. «المجتمع الديموقراطي»، الذي تأسّس عام 2005، هو رابع حزب كردي يتأسّس لتأمين غطاء قانوني لهذه القوميّة. والأحزاب الثلاثة السابقة جميعها تمّ حظرها قانونيّاً، حتّى أنّ معظم النوّاب العشرين الحاليّين، هم سجناء سابقون.
ويبدو أنّ الحزب الكردي المذكور قرّر مواجهة العاصفة بتشديد نهجه. فانتُخب نور الدين ديميرتاش على رأس القيادة الجديدة للحزب في الثامن من الشهر الجاري، في خطوة وصفت بأنها هجوميّة ضدّ نهج أنقرة الهجومي بدوره.
فديميرتاش، سبق له أن أمضى 10 سنوات في السجون بدعوى تأييده لمنظّمة إرهابيّة (العمّال الكردستاني)، وهو يُعدّ رئيس الجناح المتشدّد في الحزب، في مقابل الأكثر اعتدالاً الذي كان يمثّله أحمد تورك.
لعلّ الرسالة الأبرز في القضيّة وجّهها المفكّر الكردي أوميت فرات، عندما نبّه من أنّ انسداد الأفق السياسي أمام أكراد تركيا، هو ما بحث عنه العسكر منذ 2002، تاريخ وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة. ويرى فرات أنّ صدور قرار قضائي بحقّ «المجتمع الديموقراطي» لن يجدي إلا في شرعنة العمل العسكري للحزب داخل الأراضي التركيّة، وهو ما يرى أحد النوّاب المتّهمين بالخيانة، سيري ساكيك، أنّه سيكون بمثابة ورقة النعوة حيال ملف تركيا لدى الاتحاد الأوروبي.