strong>حسن شقراني
«الانقسام» الذي شهدته قمّة «أوبك» الثالثة في الرياض يومي السبت والأحد الماضيين يندرج في معادلة سهلة المقاربة: هناك حمائم وصقور في المنظّمة يتنحارون على كيفيّة توظيف نفوذهم في الطاقة. هل يدفعون بالمنظّمة نحو أدوار جيوسياسيّة تجعلها أكثر تأثيراً؟ أم يبقون على صفة النفط «عاملاً للاستقرار والنمو وليس للنزاعات» (التعبير للملك عبد الله الثاني) وتجاهل كم أدّت تلك السلعة الاستراتيجيّة من دور في السياسة الدوليّة خلال القرن الماضي، وما يمكنها أن تؤدّيه بتعاظم مستقبلاً؟
التيار الأوّل، السلمي، قاده الملك السعودي عبد الله، إلى جانب الحلفاء الآخرين للولايات المتّحدة في المنظّمة التي احتفلت هذا العام بالذكرى الـ 47 لتأسيسها. فيما الثاني، «محور ممانعة الإمبرياليّة»، يديره الرئيسان الفنزويلي هوغو تشافيز والإيراني محمود أحمدي نجاد، انضمّ إليهما الرئيس الإكوادوري، رافاييل كوريا، بعد غيبة بلاده 15 عاماً عن المنظّمة لعدم قبولها التقيّد بنظام كوتا للكميّات المنتجة. عودة كان لها صداها المنطقي: «تقزيم أوبك على أساس دورها التقني (إنتاج النفط وإشباع أسواق العالم بفوائده من دون انقطاع أو حسابات استراتيجيّة) هو بكلّ بساطة مستحيل».
والمبارزة اعتمدت، في جانب منها، على استراتيجيّة هجوميّة اتّبعها نجاد وتشافيز، قسّمت الأدوار بين «التذكير بالصراع» وبـ«مصالح أميركا» حيث يبدو واضحاً «ما يحدث في العراق والتهديدات المتزايدة لإيران» (وهو الإيضاح الذي تولّاه تشافيز)، وبين الإشارة إلى الخطوات العمليّة التي تمكّن من التخلّص من سيطرة الدولار في الأسواق العالميّة والبدء بالتخلّي عن العملة الخضراء في تقويم الذهب الأسود، واعتماد سلّة عملات. وهو الاقتراح الذي مثّل أساس حجّة نجاد، الذي استبدلت بلاده منذ زمن الدولار باليورو في تقويم ثروتها النفطيّة.
والنتيجة كانت عدم تضمّن البيان الختامي إشارة إلى ضعف الدولار. فلماذا نجح «حلفاء أميركا»؟ يمكن طرح السؤال بطريقة أخرى: لماذا مهمّ جداً للولايات المتّحدة تأمين عدم التذكير بالمنحى الذي يتّخذه سعر صرف عملتها؟
الدولار الضعيف، الذي خسر من قيمته نحو 26 في المئة منذ عام 2000 (خلال عام مضى فقط خسر 16 في المئة من قيمته مقارنة مع سلّة عملات لها ثقلها في التجارة الدوليّة) مفيد جدّاً لاقتصاد الولايات المتّحدة طبقاً لمعايير مختلفة؛ فذلك النمط سيحفّز نشاطاً للسلع الأميركيّة المصدّرة (مثالاً مصغّراً لإغراق الأسواق الخارجية) وسيكبح إلى حدّ ما الشهيّة الأميركيّة على الاستيراد. ويتزامن مع ذلك سلوك يقرّب المستهلك الأميركي نحو مزيد من الادّخار في ظلّ أزمة الائتمان المنزلي.
وأكثر من ذلك، فالولايات المتّحدة تسير بعجز حسابي قيمته 800 مليار دولار سنوياً (يعادل نحو 6 في المئة من ناتجها المحلّي الإجمالي) وتستمرّ بالاقتراض بالدولار والتسديد بالدولار، وهي آليّة صعب جداً استبدالها نظراً للكوارث الجمّة الممكن أن تنجم عن ذلك. فقد تتراجع العجلة الاقتصاديّة الدوليّة بنسبة 25 في المئة إذا لم تتمكّن الولايات المتّحدة من سداد ديونها الخارجيّة، حسبما يشير كبير الاقتصاديّين السابق في صندوق النقد الدولي، الأستاذ في جامعة «هارفرد»، كينيث روغوف.
وإذا سارت السوق على سكّة كرة الثلج التي تفرضها طروحات الأسواق الماليّة، التي يحدّدها أساساً المؤثّرون في شؤون المشتقّات الماليّة، فإنّ ضعف الدولار سيجرّ ضعفاً متزايداً، وسيدفع ذلك بالاحتياطي الفدرالي الأميركي إلى رفع أسعار الفائدة، وهو ما سيقلّص الاستهلاك (بحكم توجّه الأميركيّين نحو الادّخار) وسيدفع بالاقتصاد الأميركي نحو الركود. لكن حتّى الآن، سيستغلّ ذلك الاقتصاد المردود التجاري لانخفاض الدولار إلى حين امتصاص الفائدة القصوى.
وفي هذا الإطار تجدر الإشارة إلى أنّ انعدام التوازن في الاقتصاد الدولي (الذي يشكّله تحديداً العجز الاقتصادي الأميركي) أدّى إلى نشوء فوائض ضخمة في الحسابات الجارية وأفاد عملات بلدان نامية، وتحديداً الصين.
وفيما كان زعماء دول «أوبك» الـ 13 مجتمعين في الرياض، احتضنت كليموند في أفريقيا الجنوبيّة قمّة وزراء المال والاقتصاد من «مجموعة العشرين» (الدول التي تحوي أكبر 20 اقتصاداً في العالم). ورغم تشديد رئيس صندوق النقد الدولي، دومينيك شتراوس ـــــ كان، على ضرورة إعادة هيكلة مؤسّسته من أجل منح الاقتصاديّات النامية كوتا أرفع وبالتالي نفوذاً أكبر، فإنّ التوصية الأبرز كانت دعوة إلى المزيد من المرونة في أسعار صرف عملات البلدان التي تجمّع أرصدة جارية ضخمة، في إشارة إلى الصين... هنا أيضاً نجح «حلفاء أميركا»!