حسام كنفاني
قفز شرط «يهودية الدولة» فجأة إلى واجهة المفاوضات الفلسطينية ـــــ الإسرائيلية، ليعيد إحياء مشاريع «الترانسفير» الصهيونية بصيغة توافقية مع تغليفها بقالب «تبادل أراضٍ» لإعادة «كامل مساحة» الضفة الغربية وقطاع غزة.
رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت ونائبه وزير الشؤون الاستراتيجية أفيغدور ليبرمان كانا صريحين في الإشارة إلى الاعتراف بـ«يهودية» إسرائيل شرطاً مسبقاً للمضي في التفاوض مع الفلسطينيين في المؤتمر الدولي للسلام في أنابوليس. إلا أن وزيرة الخارجية تسيبي ليفني كانت أكثر صراحة، وأخذت فكرة «يهودية الدولة» إلى وجهتها المقصودة إسرائيلياً، حين أعلنت قبل أيام أن «الدولة الفلسطينية التي ستقوم ستكون الحل القومي للعرب في إسرائيل الدولة اليهودية».
صراحة ليفني، التي أثارت ردود فعل صاخبة في أوساط فلسطينيي 48، أعادت إلى الأذهان مشاريع الترانسفير التي لم يتوقف الفكر الصهيوني عن اجتراحها منذ نكبة عام 1948، وما استتبع ذلك من قوانين عنصرية على مثال قانون «الغائب» و«أملاك الغائبين».
إلا أن البعد الجديد في المشروع الإسرائيلي المؤطر في «الحل النهائي»، لم يعد قاصراً على النقل الديموغرافي، الذي كان أساس حملات المنظمات اليمينية الصهيونية، فدخلت الجغرافيا في ثناياه ليكون النقل للأرض ومن عليها إلى سيادة السلطة الفلسطينية، أحد أوجه الدفاع عن «يهودية الدولة».
وتحقق إسرائيل من الغاية الجديدة هدفين في آن واحد؛ فمن جهة، تمكنها هذه الصيغة من التخلص من أكثر من مئتي ألف فلسطيني في مناطق قرى المثلث العربية، التي يجري الحديث عن استهدافها في مخطط التبادل. ومن جهة ثانية، تحتفظ الدولة العبرية بالكتل الاستيطانية المتغلغلة في الضفة الغربية، التي تضمن امتداداً يهودياً إضافياً لإسرائيل.
ويتمتع «المثلث»، الذي تتقدمه مدينة أم الفحم وقرى باقة الغربية والطيبة والطيرة وكفر قاسم، بأراض خصبة تشكّل عامل جذب لضمان قبول السلطة الفلسطينية مبدأ التبادل مع الضفة الغربية، وهو ما اعتُمد عليه منذ الولادة الأولى لفكرة التبادل الجغرافي في كامب ديفيد عام 2000، حين خيّر المفاوض الفلسطيني وقتها بين القرى العربية المحاذية للضفة الغربية ومنطقة حالوتسا الجرداء الملاصقة لقطاع غزة والمندمجة مع صحراء النقب.
وأمام هذين الخيارين، تعوّل السلطة الإسرائيلية على ترجيح كفة قبول القرى العربية، التي تشكّل معقلاً «للحركة الإسلامية ـــــ الجناح الشمالي»، بزعامة الشيخ رائد صلاح، إضافة إلى الشعبية العارمة التي يتمتع فيها رئيس «التجمع الديموقراطي» عزمي بشارة في المنطقة. وفي الحالتين تكون إسرائيل قد تخلصت من عبء حركتين، دينية وقومية، قائمتين أساساً على رفض فكرة الدولة اليهودية.
وإذا كانت خطط الترانسفير السابقة قد اصطدمت برفض دولي للفكرة من «الباب الأخلاقي» لا «السياسي»، فإن خطورة الطرح الجديد تكمن في أنها قد تحظى بأوسع تأييد دولي، وحتى عربي وفلسطيني، يسهم في إراحة إسرائيل من الفكرة التي شغلتها منذ نشأتها وهي كيفية التخلص من البعد العربي في «الدولة اليهودية»، ولا سيما أن الاستطلاعات تشير إلى أن عدد فلسطينيي 48 في عام 2050 سيفوق عدد اليهود، نتيجة للفوارق في نسبة التزايد السكاني الطبيعي بين الطرفين.
هذا التزايد الديموغرافي جعل من فلسطينيي 48 بالنسبة إلى إسرائيل «قنبلة موقوتة لا بد من تفكيكها». ويبدو أن فرصة «التفكيك» متاحة اليوم، وإسرائيل لن تتخلى عنها بسهولة، والرفض الفلسطيني لهذه الفكرة قد لا يدوم طويلاً تحت ضغط «جزرة» الحل النهائي، التي يضعها الرئيس الفلسطيني محمود عباس في مقدمة أولوياته.