ربى أبو عمو
بدأ العد العكسي للتوصّل إلى اتفاق نهائي بين صربيا وكوسوفو حول مستقبل الإقليم، بعدما حدّدت الأمم المتحدة تاريخ العاشر من كانون الأوّل المقبل موعداً نهائياً لإنهاء المفاوضات بين الجانبين، التي من المفترض أن يتأتّى عنها حل يحظى برضى الطرفين.
لكن هذة المرّة، سيمثّل تاريخ العاشر من كانون الأول منعطفاً حقيقياً، لا يهم إن كان سلبياً أو إيجابياً، فالأهم أنه سيكون حاسماً.
إلاّ أن الحل الديموقراطي، الذي يحلم به الشعبان، يبدو بعيد المنال، إذ ليس هناك أي مؤشرات حقيقية وجادة للتوصّل إلى حل نهائي يحظى بقبولهما. وبدا ذلك واضحاً بعد فشل صربيا وكوسوفو والترويكا (مجموعة الوساطة)، التي تضمّ ممثلين عن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وروسيا، خلال اجتماعهم في بروكسل أوّل من أمس، في التوصل إلى حل تفاوضي حول الوضع المستقبلي للإقليم، بسبب تشبّث المعنيين بمواقفهما السابقة. والنتيجة التقليدية الواضحة كانت في الاتفاق على عقد جولة جديدة، وربما أخيرة، من المفاوضات بين 26 و28 الشهر الجاري في النمسا.
إذاً، لم تخرج المفاوضات بين الطرفين عن إطار «الجدل البيزنطي»، الذي لا يقدّم فيه أي طرف تنازلاً في المواقف؛ فقد رفضت سلطات كوسوفو مقترحات صربيا بتحويله إلى إقليم يتمتع بالحكم الذاتي، فيما جدّد الوفد الصربي رفضه مطالب كوسوفو بالاستقلال.
وفي ظل هذه المماطلة في المفاوضات بين الطرفين، التي تقودها عصا الدول الداعمة لكلٍّ منهما، يقف الاتحاد الأوروبي على مفترق طرق، يتمثّل في مدى قدرته على الإجماع على موقف موحّد من استقلال الإقليم أو عدمه. وعدم إجماع الموقف الأوروبي حيال هذه القضية، يمثّل صفعة كبيرة لطموحات الاتحاد لتشكيل سياسة خارجية مشتركة وموحدة حول القضايا التي يتبنّاها، ما سيحتّم على كل دولة اتخاذ قرارٍ فرديٍ بشأن اعترافها بالدولة الجديدة أو عدمه.
ويرى الروس أن منح كوسوفو الاستقلال، من شأنه إثارة مطالب انفصالية في دول الاتحاد الأوروبي نفسها، وخصوصاً إقليم الباسك الإسباني والأقليات المجرية في كل من رومانيا وسلوفاكيا. وانطلاقاً من ذلك، تؤيد إسبانيا واليونان وإيطاليا وقبرص ورومانيا وسلوفاكيا والنمسا الموقف الروسي.
فإيطاليا أعربت عن قلقها حيال عدم قدرة كوسوفو الفقيرة على أداء وظائف الدولة المستقلة، وبالتالي تحوّلها إلى بؤرة للمجرمين. أمّا إسبانيا، فتخشى أيضاً تحوّل الإقليم إلى مثالٍ تحتذي به منطقة الباسك. كما أن إعلان الاستقلال قد يسهم في تقوية أنصار ألبانيا الكبرى، وتشجيع الشيشان وأنغوشيا وغيرهما من الأقليات على تمزيق روسيا.
بدورها، ترى رومانيا أن استقلال كوسوفو من جانب واحد سيؤثّر حتماً على وضع مولدوفا المجاورة لها، إذ تتوقع أن تعترف روسيا من جانب واحد بمنطقة ترانسدنيستريا الانفصالية في مولدوفا، التي ظلّت تتمتع بدعم القوات الروسية طيلة ستة عشر عاماً.
ورغم موافقة غالبية دول الاتحاد الأوروبي على الاستقلال الكامل للإقليم، فهذا لا يعني أنها تفضّل نشوء هذه الدولة المسلمة في قلب أوروبا، خوفاً من تحوّلها إلى مرتع للمتطرفين، وفرع من فروع تنظيم «القاعدة»، الأمر الذي سينسحب حتماً على الحليفة الكبرى، الولايات المتحدة.
لكن واشنطن تراهن على زعزعة استقرار روسيا من خلال تشجيعها ثورة الأقليات ضدها، أو لجوئها إلى اللعب على منطق المقايضة من خلال التخلّي عن استقلال كوسوفو، في مقابل تليين الموقف الروسي تجاه ملف الدرع الصاروخية. وفي إطار اللعب على الأسبقية العالمية، لن يتوقف الندّان، الولايات المتحدة وروسيا، عن تبادل أدوار «القط والفأر» في مواقفهما حول الإقليم، في ظل تداخل الملفات الإقليمية، وسعي واشنطن إلى الحفاظ على دورها القيادي، وإصرار موسكو على استعادته. أمّا دول الاتحاد الأوروبي، فتبدو في حالة حرجة بعض الشيء، لارتباط أمنها مباشرة بالتماسك الصربي.
بدورها، تريد صربيا أيضاً كسب الاتحاد إلى صفها، إذ تسعى إلى الانضمام إليه، شرط تعاونها التام مع المحكمة الجنائية الدولية المختصة بيوغوسلافيا السابقة، والتكفير عن ماضيها حيال الإقليم.