حسن شقراني
نسبة تأييده بين الشعب تتجاوز الـ80 في المئة، معظمهم ينظّم في الفترة الأخيرة حملات عنوانها «من أجل (فلاديمير) بوتين» للتأكيد أنّه هو المختار لاستكمال مسيرة الإصلاح الجديدة العهد (فيما يحرّم عليه الدستور ثلاث ولايات متتالية)، فكيف يواجه «التهم بالديكتاتوريّة» ويواكب دعوات الأنصار، داخل ملعب الإسلام السياسي؟
الأرثوذوكسيّة السياسيّة التي يتّبعها بوتين تقضي بالاحتواء عبر الإضعاف. وإضعاف الخصوم يحتم فضح عوراتهم. ومن هنا كان وصف قياديّي تكتّل «روسيا الأخرى» المعارض بأنّهم «ثعالب» يتلقّون التدريب في جمهوريّات مجاورة مناوئة لروسيا، والتذكير بأوليغارشيّتهم الرأسماليّة التي افتقرت إلى أدوات صياغة مستقبل البلاد في تسعينات القرن الماضي. وجلّ ما يمكن توقّعه من خليط المعارضة المذكور، على أيّ حال، هو هجين ليبرالي ليس له مكان بين الروس المركّزين على لقمة العيش التي أمّنها بوتين، وليسوا مهتمّين كثيراً بالسياسة والحريّة الإعلاميّة. المعيار واضح. عندما تجد الرفاهيّة تجد المباركة للحكم. وليس لمعارضة ذلك الحكم أيّ أساس في ظلّ الاحتواء المذكور الذي ينسلّ في هذا المنطق نحو محاكمة الحلفاء (عزل نائب وزير المال الروسي سيرغي ستورتشاك لارتباطه بفساد صفقات ماليّة). كبار رجال الدين المسلمين في روسيا (مجلس المفتين) باركوا الأسبوع الماضي خطط إقامة حركة إسلامية تقدّم الدعم للرئيس في إطار «من أجل بوتين» وأيّدوا إنشاء حركة شعبية باسم «مسلمون مؤيدون للرئيس بوتين». ولعلّ تنسيق التجمّعات الإسلامية الرئيسية في روسيا مع الكرملين ينضوي في بوتقة يفرضها الأخير لتفادي انتشار الجماعات المتطرّفة التي ظهرت خلال الحروب الانفصالية في جمهورية الشيشان المسلمة أساساً في أعوام التسعينات. وفي إطار «الاحتواء»، أكّد بوتين أكثر من مرة على أنّ القتال ضدّ الانفصالية الشيشانية لا علاقة له بالإسلام. ولا ينفكّ يذكّر بأنّ «مسلمي روسيا ساهموا على الدوام بقسط ملموس في تطوير البلد وعملوا الكثير من أجل تحوّل دولتنا إلى دولة عالمية عظمى». إلّا أنّ الاعتدال الذي يلوّن الحياة الثقافيّة في مركز روسيا الجديدة ليس نفسه في «المناطق الملحقة».
في أيّار عام 2004، اغتيل الرئيس الشيشاني أحمد قديرف، وانتظرت موسكو البلوغ السياسي والقانوني لابنه رمضان، كي يتسلّم مقاليد الحكمّ في نيسان الماضي. ومنذ ذلك التاريخ، يسعى الرئيس الشاب إلى استكمال سياسة تطوير غروزني وتمتين شبكة سيطرته (عمليّة ممتدّة مذ كان رئيساً للوزراء). غير أنّه أدلى بأكثر من تصريح مثير للجدل حول حقوق المرأة و«ضرورة العودة إلى التقاليد الإسلاميّة». وفي هذا السياق، طرح رؤية الأربعاء الماضي لمّح فيها إلى وجوب ارتداء المرأة الشيشانيّة الحجاب. ورغم إعرابه عن معارضته لحكم الشريعة، أيّد تعدّد الزوجات، الأمر الممنوع في روسيا. يأمل الكرملين في أن يسيطر رمضان، الحديدي الطباع، على انفصاليّي جمهوريّته، مهما تكن الوسائل. ولبوتين المحنّك أساليب كثيرة في احتواء «الأعداء» و«الأقليّات» (التعبير ليس دقيقاً بالنسبة للمسلمين الروس، إذ يشكّلون نحو 25 في المئة من السكّان)، داخل البلاد وفي ملحقاتها الجغرافيّة والسياسيّة. يبدو أن التوفيق بين فرض الحجاب على المرأة الشيشانيّة وبين الدعوات لترشيح ليودميلا بوتينا إلى الرئاسة، لا يعد تضارباً في روسيا!