strong>شهيرة سلوم
«عاد الأسد». بهذه العبارة استقبله مناصروه في مطار لاهور عند عودته يوم الأحد الماضي إلى باكستان بعد 7 سنوات قضاها في بريطانيا والسعودية التي احتضنته وكانت عرّابة «صفقاته» التي أبرمها مع الجنرال برويز مشرف يوم نُفي، ويوم عاد، بفضل «دبلوماسيتها الصامتة»

عاد نواز شريف ومعه عاد الأمل إلى مناصريه بأن يتمكن من تخليص البلاد من «الدكتاتور» الذي أطاحه في انقلاب أبيض عام 1999، وأن يلملم صفوف حزبه الذي انشق جزء منه لينضم إلى الجنرال برويز مشرف. انشقاق كان أحد تداعيات تحالفه مع الغريمة التقليدية لحزبه، بنازير بوتو، التي تناوب معها على السلطة لأكثر من عشر سنوات.
من الواضح أن شريف (58 عاماً)، ذلك الحقوقي الذي بدأ مسيرته السياسية من البنجاب حيث كان عضواً في مجلس البنجاب عام 1981، لن يكون مجرّد معارض سياسي عابر لمشرّف، إذ سيمثل خطراً مستقبلياً على القاعدة الحزبية للجنرال الحاكم، إن استطاع أن يُعيد المنشقين إلى عرينه، على أبواب انتخابات برلمانية مرتقبة بداية العام المقبل، أو قد يتحول إلى حليف استراتيجي إذا حلّ خلافاته معه.
في أول انتخابات خاضها عام 1985، استطاع شريف أن يحقق فوزاً ساحقاً ويصبح كبير وزراء ولاية البنجاب.
وفي انتخابات عام 1990، فاز أيضاً تحالفه «آي جي آي» ليصبح بعدها رئيس وزراء باكستان، خلفاً لبوتو التي تحولت إلى المعارضة، إلى أن أقاله عام 1993 الرئيس الباكستاني آنذاك غولام إسحاق خان، قبل أن يسقطا معاً في تموز من العام نفسه، لتخلفه بوتو التي بقيت في سدة رئاسة الحكومة حتى عام 1996.
الولاية الثانية لشريف في هذا المنصب بدأت عام 1997، بعد فوز حزب الرابطة الإسلامية الذي كان يتزعّمه في انتخابات ذاك العام، وتحقيقه الغالبية المطلقة في المجلس الوطني، ما مكّن شريف من تمرير قانون تعديل المادة الثامنة من الدستور، الذي يلغي حق الرئيس في تجريد رئيس الحكومة صلاحياته وحل المجلس الوطني.
اهتم شريف خلال فترة حكمه بالقطاع الصناعي، فأُقيمت مشروعات خاصة، ووُزّعت أراض على الفلاحين المعدومين في ولاية السند. وتم التوصل في عهده إلى «اتفاق إسلام آباد» بين الفصائل الأفغانية المتناحرة. ولعل أبرز إنجازاته القنبلة النووية الإسلامية.
سقط نواز شريف في انقلاب عسكري أبيض نفّذه برويز مشرّف، قائد الجيش في ذلك الحين، في 12 تشرين الأول عام 1999، فوُضع قيد الإقامة الجبرية وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة بتهم فساد وخطف وإرهاب.
وكان شريف قد حاول، قبل سقوطه المدوّي، إبعاد مشرّف، فاستغل وجود قائد الجيش في سريلانكا وأصدر أمر إقالته وتعيين رئيس الاستخبارات الداخلية خواجة ضياء الدين بديلاً منه، فأبى الجيش أن يُطاح قائده، وانقلب على رئيس الحكومة قبل اعتقاله مع شقيقه شهباز وقائد الجيش الجديد الذي عيّنه.
تدخلت السعودية عام 2000 وبعث ملكها آنذاك فهد بن عبد العزيز، سعد الحريري في وساطة سعودية لإبرام صفقة مع شريف يلتزم بموجبها وقف نشاطه السياسي والامتناع عن العودة إلى البلاد والبقاء في المنفى مدة عشر سنوات في مقابل الإفراج عنه وتجنّب عقوبة السجن مدى الحياة بتهم الخطف والفساد. وشمل الاتفاق عائلة شريف.
عامئذ حصل انشقاق في حزب الرابطة الإسلامية، بعدما انضم بعض منه إلى التحالف الديموقراطي لأحزاب المعارضة الذي تنتمي إليه أيضاً زعيمة حزب الشعب الباكستاني بوتو التي كانت سبقت شريف إلى المنفى بعدما وُجّهت إليها أيضاً تهم فساد من قبل حكومة شريف.
أُبعد عن مشرف كل من بوتو وشريف، ولمزيد من الحصار أصدر الجنرال، في تموز 2002، مرسوماً منع فيه رؤساء الوزراء السابقين الذين قضوا فترتين في المنصب من الترشح لفترة ثالثة مستهدفاً طموحاتهما.
الغريم المشترك وحّد كلّاً من بوتو وشريف في اتفاق عُرف بـ«ميثاق الديموقرطية»، تعهّدا خلاله بالعودة إلى البلاد للمشاركة في انتخابات 2007 وإطاحة مشرّف الذي «غيّب الديموقراطية». وحرص شريف على تذكير بوتو مراراً بهذا الميثاق الذي يمنعها من إبرام صفقة مع أية «دكتاتورية» ويدعوها إلى الالتزام باتفاقهما، ولا سيما عندما كانت تفاوض جنرال باكستان على تقاسم السلطة منذ آذار العام الجاري.
وتمهيداً لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة بداية عام 2008، لجأ شريف في آب الماضي إلى المحكمة الدستورية التي كانت تخوض معركتها ضدّ الرئيس الباكستاني منذ أن حاول إطاحة رئيسها في آذار العام الجاري، لكي تسمح له بالعودة من المنفى، فحصل على مراده، وشدّ رحال العودة.
عندئذ تحرّكت السعودية وأوفدت وسيطها الذي كان عرّاباً للصفقة التي حمت شريف من السجن، النائب سعد الحريري، إلى لندن لحثّ شريف على الالتزام بالصفقة وإتمام عشر سنوات النفي، فرفض الأخير وصمّم على العودة، رغم وجود سابقة مع أخيه شهباز الذي حاول العودة عام 2002 إلى باكستان، فتلقفته السلطات الباكستانية وأعادت نفيه.
وقد أرسلت المملكة الحريري ومعه الأمير مقرن بن عبد العزيز إلى مشرّف في 8 أيلول الماضي، لتُعلن إثر اللقاء أنها قد تستقبل شريف إذا أُعيد نفيه، وهو ما حصل: تمسك شريف بقراره وتوجه في 10 أيلول إلى باكستان، حيث لم يمكث سوى ساعات، ثم أُعيد إلى منفاه الأول في السعودية.
في هذه الفترة مرّت باكستان بأحداث مفصلية تمثلت بالسماح لبوتو بالعودة من منفاها، وإعادة انتخاب مشرف رئيساً في انتظار قرار الشرعية من المحكمة العليا التي أدت عرقلتها لهذه العملية إلى دفع الجنرال إلى إعلان حال الطوارئ.
قد تكون هذه الأحداث هي التي مهّدت لعودة شريف إلى البلاد يوم الأحد الماضي. وقد تكون «الدبلوماسية الصامتة» التي مارستها المملكة المهتمة بأمر أكبر دولة إسلامية تملك القنبلة النووية، لكن الأكيد أنه كان لزيارة مشرف لجدّة قبل أيام دور بارز في هذه العودة. لعله أراد شقّ المعارضة وإعادة مدّ الجسور مع شريف الذي يشاركه الحاضنة الشعبية الإسلامية، ومعها الحاضنة العسكرية.