strong>طوني صغبيني
مشهد رئيس الجمهورية الفرنسي الزائر إلى بكين ليس غريباً على العلاقات الفرنسية ـــــ الصينية العميقة، لكنها من دون شك تكتسب هذه المرّة أهمية خاصة كونها الزيارة الأولى بعد انتهاء عهد جاك شيراك «المولع بالصين» وبدء عهد «ساركو الأميركي».
«الشراكة الاستراتيجية» المتمحورة حول الاقتصاد، والتي أبصرت النور على يد شيراك، لم تخلُ من الإشارات السياسية عبر دعوة باريس إلى فك الحظر الأوروبي على تصدير السلاح إلى العملاق الآسيوي، ودعم النظام الشيوعي في تحقيق «صين واحدة» (في إشارة إلى تايوان)، في ظلّ مشاركة القادة الصينيين والفرنسيين وقتها في رؤية «عالم متعدد الأقطاب» يتحرر من الهيمنة الأحادية للولايات المتحدة.
لكن يبدو أن هذه الخطوط السياسية العريضة ستدخل في فترة جمود طويلة بعد التزام نيكولا ساركوزي بسياسة خارجية «متأمركة»، ما سينعكس سلباً على العلاقات مع بكين؛ فساركوزي حمل معه قلقاً أميركياً وأوروبياً من خفض قيمة اليوان الصيني، والذي يقلب توازن العلاقة التجارية بقوة لمصلحة بكين. ومن المرجح أن الملفات الشائكة، التي وضعها شيراك جانباً، عادت اليوم إلى الواجهة مع ساركوزي، كمسائل احترام الملكية الفكرية والتجسس التجاري الصيني ودعم الدولة لبعض قطاعات الإنتاج، ما قد يعني أن جهود باريس السابقة لمساعدة الصين على الدخول في منظمة التجارة العالمية أصبحت من الماضي.
ولا يقتصر التشنج على الملف التجاري، فالملف الإيراني يباعد بينهما كلما اقترب من الحسم، إذ تحمل باريس لواء «العقوبات أو الحرب»، فيما لا يبدو أن بكين في وارد التخلي عن مصالحها النفطية والاستثمارية الضخمة في الجمهورية الإسلامية.
وترتفع من أفريقيا أيضاً بوادر تنافس ثلاثي أميركي ـــــ فرنسي ـــــ صيني يدور على منابع النفط على امتداد القارة السمراء، ولعلّ المثال الأكثر فجاجة يظهر في المنطقة الحدودية بين تشاد والسودان، والتي ستشهد قريباً انتشار قوات فرنسية وصينية لـ«حفظ السلام»، وحيث تتبادل باريس وبكين دعم الحكومات وفصائل التمرد.
ومثل هذا التشنّج لا يقتصر على باريس، بل يعكس التذمّر المتزايد من الصعود الصيني في أروقة السياسة وقطاعات الاقتصاد الأوروبية. وفيما تمتلك القوى السياسية مخاوفها التقليدية من الصين، تنتقد قطاعات الاقتصاد تساهل حكومات بلدانها مع الممارسات التجارية الصينية «المضرّة»، وتخليها عنها في مقابل الدعم الحكومي الكبير للشركات الصينية، واتخاذها قرارات «غير محسوبة تجارياً» كالعقوبات على إيران، بما يسهّل تمدد الشركات الصينية على حسابها.
لكن في ظلّ استمرار بكين باعتماد استراتيجية تجنّب المواجهات الكبرى، لا تزال إشكالية النظرة إلى الصين تحكم مسار تطوّر العلاقات معها، وهي التي دفعت ساركوزي في زيارته إلى محاولة الفصل بين ملفات الاقتصاد والسياسة.
لكن شهر العسل الطويل الذي شهده البلدان في السياسة خلال عهد شيراك قد انتهى من دون أدنى شكّ. ويبقى التساؤل في ما إذا كان ذلك سينعكس أيضاً على علاقات الصين بأوروبا، حيث سيلقي ذلك بظلّه الثقيل على القمة الأوروبية ـــــ الصينية غداً.