أنابوليس ــ محمد سعيد
أولمرت يصرّ على رفض حق العودة... وعباس يستحضر «سلام الشجعان»


«بدأنا بداية قويّة». بهذه العبارة افتتح الرئيس الأميركي جورج بوش، أمس، أعمال مؤتمر السلام الدولي في أنابوليس، معلناً إحداث «اختراق» بتوصل الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي إلى «بيان تفاهم مشترك»، كان الطرفان قد فقدا الأمل في التوصل إليه، إلا أنه جاء خالياً من النقاط الخلافية، ولم يقدّم جدولاً زمنياً صارماً في ما خصّ مفاوضات الوضع النهائي «غير بذل كل الجهود للتوصل إلى اتفاق بحلول نهاية عام 2008».
إعلان البداية أطلقه بوش من على منصّة المؤتمر، بينما كان رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت والرئيس الفلسطيني محمود عباس يقفان إلى جانبه، حيث تصافح الزعيمان بعد تلاوة البيان، قبل أن يلقي بوش خطاباً افتتاحياً استغرق نحو عشرين دقيقة، قال فيه إن «الوقت مناسب حالياً للتوصل إلى السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين». إلا انه أقرّ بأن المهمة صعبة وأن مؤتمر أنابوليس ليس سوى بداية. ورأى أن «الوقت مناسب لأن المعركة من أجل مستقبل الشرق الأوسط مستمرة. ويجب ألا نقدم النصر للمتطرفين بأعمالهم العنيفة واحتقارهم للحياة البشرية».
وشدّد بوش على أنه «في ضوء التطورات الأخيرة، اعتبر البعض أن الوقت ليس مناسباً لعقد السلام، وأنا لا أوافق. أعتقد أن هذا الوقت مناسب تماماً لبدء هذه المفاوضات». وقال إن «المهمة التي سنبدأها هنا في أنابوليس ستكون صعبة، إنها ليست سوى بداية عملية وليست نهايتها، ولا يزال هناك الكثير من العمل الذي يتعين إنجازه».
وأشار بوش إلى أن الهدف النهائي من المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين هو «إنشاء دولة فلسطينية مستقلة، ديموقراطية وقابلة للحياة تعيش بسلام إلى جانب إسرائيل». ودعا الفلسطينيين إلى أن يدركوا حدود دولتهم وتفكيك ما سمّاه «البنية التحتية للإرهاب» ليكونوا «مثالاً للمنطقة». وقال إن «على الفلسطينيين أن يظهروا أن أي دولة فلسطينية ستوجد فرصة لكل مواطنيها وستحكم بالعدل وتفكك البنية الأساسية للإرهاب». كما دعا إسرائيل إلى أن تكون مستعدة لإنهاء احتلالها وأن توقف «توسيع المستوطنات».
وأقرّ بوش بأن «إسرائيل دولة للشعب اليهودي». وقال «ستساعد الولايات المتحدة القادة الفلسطينيين على بناء مؤسسات حرة. وستحافظ على التزامها بأمن إسرائيل كدولة يهودية ووطن للشعب اليهودي».
وأشاد بوش بتأييد جامعة الدول العربية لاجتماع أنابوليس الذي وصفه بأنه «خطوة إيجابية»، داعياً الدول العربية إلى ضرورة «تطبيع علاقاتها مع إسرائيل في كل المجالات «وأن تتعامل مع إسرائيل كجزء حيوي من المنطقة».
بدوره، شدّد عباس «على أهمية أنابوليس كمحطة لإطلاق عملية سلام، غرضها التوصل إلى حل نهائي للصراع بإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس». وقال إن الاجتماع «فرصة لن تتكرر مرة أخرى» للسلام في المنطقة، «ولن يتوفر لها لو تكررت الإجماع ذاته والزخم نفسه».
وقال عباس إن «مصير القدس عنصر أساسي في أي اتفاق. نريد القدس الشرقية أن تكون عاصمتنا وأن نقيم علاقات مع القدس الغربية». وأضاف: إن «مفاوضات شاملة ومعمقة مع الإسرائيليين، تتناول جميع القضايا الجوهرية، يتعين أن تبدأ غداً (اليوم)، بما في ذلك القدس واللاجئين والحدود والمستوطنات والمياه والأمن وغير ذلك».
ورأى عباس أن «السلام ممكن، لكنه يحتاج إلى جهدنا المشترك»، مضيفاً «نحن في هذا اليوم نمدّ أيدينا لكم كأنداد متساوين، والعالم شاهد علينا». وقال «دعونا نصنع سلام الشجعان ونحميه».
وتوجه عباس إلى الإسرائيليين قائلاً «أيها الجيران على هذه الأرض الصغيرة، لا نحن ولا أنتم نستجدي السلام من بعضنا البعض، إنه مصلحة مشتركة لنا ولكم، إن السلام والحرية حق لنا مثلما السلام والأمن حق لنا ولكم». وأضاف: «آن الأوان لدائرة العنف والاحتلال أن تنتهي». وتابع «ليس السلام مستحيلاً إذا نال كل ذي حق حقه».
ورأى عباس أن مؤتمر أنابوليس يفصل بين مرحلتين في تاريخ المنطقة. وقال «لعلي لا أبالغ إذا قلت إن منطقتنا تقف اليوم أمام منعطف يفصل بين مرحلتين تاريخيتين، مرحلة ما قبل مؤتمر أنابوليس ومرحلة ما بعده». وتابع «يحق لي هنا أن أدافع بصراحة ومن دون أي تردد عن حق شعبي في أن يرى فجراً جديداً لا احتلال فيه ولا استيطان ولا جدران عزل ولا سجون يرزح فيها آلاف المعتقلين ولا أعمال اغتيال وحصار وحواجز حول القرى والمدن وأتطلع بقوة لأرى أن أسرانا قد تحرّروا».
وحول تطبيق السلطة الفلسطينية لخطة خريطة الطريق، قال عباس «سوف نواصل العمل وفق ما تمليه علينا خريطة الطريق والتزاماتنا فيها لمكافحة الفوضى والعنف والإرهاب ولتوفير الأمن والنظام وحكم القانون». لكنه أشار إلى أن «شعبنا يميز تماماً بين التشديد على خطر الإرهاب واستخدامه غطاءً لإبقاء الوضع القائم كما هو عليه ولاستمرار الممارسات التي نتعرض لها كل يوم» من جانب الجيش الإسرائيلي.
أما أولمرت فأعلن أنه «ستكون هناك مفاوضات ثنائية مباشرة متواصلة ومستمرة في مسعى لإكمالها خلال عام 2008». وأضاف «أعتقد أننا سنتمكن من الوصول إلى اتفاق يحقق رؤية الرئيس بوش: دولتان لشعبين». وقال إن إسرائيل مستعدة لـ«تسوية مؤلمة» من أجل التوصل الى سلام مع الفلسطينيين.
وأعاد أولمرت إلى الأذهان تأييد بوش العلني لبعض «المواقف غير القابلة للتفاوض» لرئيس الحكومة الإسرائيلية السابق أرييل شارون، وبينها اعتراضاته على حق عودة اللاجئين. وقال «إن ذلك قد جاء في رسالة الضمانات التي أرسلها بوش إلى شارون في نيسان 2004».
ودعا أولمرت الدول العربية إلى تطبيع علاقاتها مع إسرائيل. وقال «يسرني أن أرى في هذه القاعة ممثلين عن دول عربية، غالبيتها لا تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل».