strong>أرنست خوري
الاحتلال يعرض استقلالاً بلا سيادة... يضمن استمرار نهبه للثروات

لا شكّ أنّ «إعلان المبادئ» الذي وُقّع بين العراق والولايات المتحدة أوّل من أمس، سيحتلّ حيّزاً واسعاً من الجدل، نظراً إلى المرحلة التاريخية التي تزامن معها، وهي مرحلة حسّاسة عراقياً وإقليمياً وأميركياً.
فمن جهة، يستبق «الإعلان» انسحابات أميركيّة سبق أن أقرّها تقرير «كروكر ــ بيترايوس» والرئيس جورج بوش في أيلول الماضي، وستتوالى فصولها في الأشهر المقبلة. ومن ناحية أخرى، يتزامن الاتفاق مع انخفاض وتيرة أعمال العنف في بلاد الرافدين انخفاضاً ملحوظاً، ما قد يكون فرصة أمام الإدارة الأميركيّة للاستفادة من هذا الجوّ الهادئ ميدانياً، لبدء مفاوضات تضمن لواشنطن نفوذاً على جميع الصعد في هذا البلد، لجهة الأمن والاقتصاد والثقافة والاستثمارات.
ثالثاً، من شأن ضمان الأوضاع العراقية بموجب اتفاق «طويل الأمد» مع واشنطن، أن يطمئن الإدارة إلى أنّ ما جهد في سبيله الرئيس جورج بوش وفريق عمله من أجل تثبيت حكّام عراقيّين يوفرون حدّاً أدنى من الاستقرار، لن يضيع بعد انتخابات 2008. من هنا تبدو العجلة في توقيع «إعلان المبادئ» قبل 14 شهراً من خروج بوش من البيت الأبيض.
وبدا كأنّ إدارة بوش توجّه من خلال هذا الاتفاق مجموعةً من الرسائل إلى الداخل الأميركي، كما إلى العالم أجمع، ومن ضمنه العراقيّون، تقول فيها: الأمور تجري على ما يرام من ناحية المهمّة التي أوكلنا إلى أنفسنا القيام بها في العراق منذ 2003، لكنّنا من اليوم وصاعداً، سنقطف ثمن «تضحياتنا» الكبيرة التي تكبّدناها.
فمن شأن الإبقاء على قواعد أميركيّة ضخمة تضمّ أكثر من 50 ألف جندي أميركي خارج المدن السكنية، أن يحمي منشآت النفط والمصالح الأميركية وحكومة بغداد الموالية لواشنطن، من دون تعريض الجنود الأميركيّين لهجمات. وبهذا تكون هذه القواعد شبه «قوّات تدخّل سريع» كشفت المادّة الأولى من الاتفاق أنها ستكون موجودة «لدعم الحكومة العراقية في حماية النظام الديموقراطي من الأخطار التي تواجهه داخليّاً وخارجيّاً ولردع أي عدوان خارجي يستهدف العراق».
وفي هذا السياق، يمكن فهم أنّ المقصود من «الأخطار الخارجية» ليس سوى إيران، وخصوصاً مع عودة المعزوفة الأميركية التي تتحدّث عن الدور الكبير الذي تؤدّيه في دعم الميليشيات العراقية، وذلك بعد فترة «غزل» للجمهورية الإسلامية رافقتها أجواء عن قرب موعد عقد لقاء أميركي ــــ إيراني رابع حول أمن العراق.
كذلك يأتي توقيع الاتفاق في وقت وجد الأميركيون الحليف السنّي الضائع، أي مجالس الصحوة التي تنتشر كالفطريات في الفترة الأخيرة. حليف ساعد، مع الضربة التي تلقاها التيار الصدري، في خفض مستوى أعمال العنف في البلاد، حيث العملية السياسية لا تزال تواجه معوقات.
في المقابل، أبرز ما كان لافتاً في «إعلان المبادئ»، هو إدراج موضوع المعاملة التفضيلية للشركات الأميركية، إذ نصّ البند الأوّل من الفصل المتعلّق بالاقتصاد، على «دعم العراق... في الانتقال إلى اقتصاد السوق ومساعدته على الاندماج في المؤسّسات الماليّة وتسهيل وتشجيع تدفق الاستثمارات الأجنبية وخاصة الأميركيّة». قد تكون هذه المادّة أوضح ما في «الإعلان» من حيث أنّ العراق اليوم هو «سوق عذراء وخام» مفتوحة على مصراعيها أمام الشركات، وخصوصاً أنّ هذا البلد من بين الأغنى في المنطقة والعالم بالثروات النفطية.
وتصل صراحة الإشارة إلى أولويّة الشركات الأميركية في الاستثمارات العراقية، إلى حدّ الوقاحة. فتكاد هذه المادّة تقول: استغلال ثروات العراق مستباحة بمجرّد أنه سيكون عضواً في منظّمة التجارة وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وخاضعاً لشروطها.
أمّا الحصيلة النهائيّة لتلك المعاهدة، التي سيُوقّع عليها في العام المقبل، سيكون عنوانها العريض: العراقيون يتسلّمون السيادة الصورية، مع جيش وشرطة مهمتهما ضبط الأمن الداخلي، أمّا ضمان الأمن في مواجهة «الأعداء» فيتولّاه الشقيق الأميركي. وفي السياسة تُرسَم الخيارات الكبرى بالتعاون والتكافل بين بغداد وواشنطن، فيما الاقتصاد «ماركة مسجّلة» أميركية.