بغداد ـ زيد الزبيدي
انشقاق الجعفري أصبح واقعاً... و«الائتلاف» يفقد «وحدته»


في خطوة جديدة تشير إلى انقسامات مقبلة، أو إعادة ترتيب لـ«البيت الشيعي» في العراق، أعلنت ثلاثة أجنحة من حزب الدعوة الإسلاميّة أخيراً، الاتفاق على الوحدة في ما بينها، تحت اسم «تيّار الدعوة الإسلاميّة».
واختارت هذه الأطراف رئيس الوزراء السابق إبراهيم الجعفري لرئاستها، ما يؤكّد أنّ هذه الخطوة تمثّل انشقاقاً صريحاً عن الحزب الذي يقوده اليوم رئيس الحكومة نوري المالكي، الذي سبق وانقلب على الجعفري، وأبعد كوادر مهمّة من قيادة «الدعوة»، عند تولّيه رئاسة السلطة التنفيذية في البلاد.
والأجنحة الثلاثة التي أعلنت الوحدة، هي منظّمة أنصار الدعوة وحركة الدعوة الإسلامية (جناح عز الدين سليم عضو مجلس الحكم السابق، الذي قُتل أثناء تولّيه الرئاسة الدورية لهذا المجلس)، بالإضافة إلى منظّمة كوادر الدعوة، وبعض قادة حزب الدعوة ـــــ تنظيم العراق.
وكان مازن مكية، محافظ بغداد السابق المقرَّب من الجعفري، والأمين العام لمنظّمة أنصار الدعوة المشارك في التيار الجديد، الأكثر وضوحاً، عندما قال إنّ منظّمته تبنّت هذا المشروع «لتوحيد صفوف حزب الدعوة العاملة في العراق، والمنسلخة من حزب الدعوة الإسلامية».
ولعلّ ما يثير الاهتمام، أنّ التكتّل الجديد أعلن صراحة معارضته لانضمام «الدعوة» إلى التحالف الرباعي الذي يضمّه إلى المجلس الأعلى الإسلامي والحزبين الكرديين، داعياً إلى «توسيع المشاركة في العمليّة السياسيّة، لا احتكارها»، علماً بأنّ الجعفري بذل أخيراً جهوداً حثيثة للتقرّب من الأحزاب الكردية التي كانت سبب إقصائه عن رئاسة الحكومة، محاولاً تبرير مواقف تلك الأحزاب منه بأنّها ناجمة عن سوء فهم لموقفه إزاء قضية كركوك.
وجُوبِه «الاتفاق الرباعي» منذ البداية بانتقادات حادّة من أطراف في «الائتلاف العراقي الموحّد»، انضمّ إليها الجعفري.
وفي قراءة لواقع حزب الدعوة في العراق، فهو كان يمتلك قاعدة جماهيرية بين الشيعة، تضاءلت مع ابتعاد كوادره عن الساحة الداخلية. وهو إذ يتحدّث بفكر المرجع محمد الصدر، لم يبلور رؤية واضحة لدوره بعد إطاحة نظام صدام حسين. وهو في هذا السياق، لم يجب عن الأسئلة الصعبة، من نوع: هل يريد إقامة دولة دينية؟ وما هي مواصفات ومقوّمات هذه الدولة؟
ومنذ تنصيب الجعفري أوّل رئيس لمجلس الحكم في عهد الحاكم الأميركي بول بريمر، اختلفت الرؤى داخل الحزب، وهو ما مهّد الظروف لانقلاب المالكي عليه.
ولا ينكر أحد أنّ «الدعوة»، حتّى بعد الاحتلال، كان له رصيد من الكوادر الإسلامية المثقّفة، التي انفصلت عنه مع اتساع المدّ الطائفي في عهد حكومة الجعفري، إلا أنّ هذه الكوادر ليست ضمن التيار الجديد، حيث فضّل معظمها العودة إلى الخارج.
المعضلة التي تواجه الشرائح السياسية التي التأمت أخيراً، بقيادة الجعفري، هي أنها لا تتمتّع بذلك الثقل الكبير في الشارع العراقي، ولا حتّى في أوساط المثقّفين، بينما لا يزال المالكي يتفوّق عليها بنتيجة ثقل المركز الحكومي الذي يتيح له إغراء حتى من هم ليسوا من الدعوة، ليصبحوا مستشارين لديه.
وبينما يستند «تنظيم المالكي» إلى مجموعة الموظّفين، والكثير من عناصر وزارة الداخلية، يجد الدعم أيضاً من المجلس الإسلامي الأعلى، ومنظّمة بدر، والأحزاب الكردية، ما يمكّنه من التحرّك بمعزل عن التيّار الصدري الذي دفع به إلى رئاسة الحكومة، والذي يتلقّى الضربات اليوم من جميع الأطراف التي استغلّت ضعف كادره السياسي والتنظيمي.
وقلّلت مصادر مطّلعة من إمكان نجاح «تيار الإصلاح الوطني» الذي ينوي الجعفري إعلانه في الأيام المقبلة، لأنّ فترة حكم الرجل شهدت «أسوأ انتكاسات الوضع الأمني والاقتصادي والسياسي»، كما لأنّ مشروعه لا يأتي بجديد بالنسبة إلى المشاريع الأخرى المطروحة.
ويشير عدد من المراقبين إلى أنّ مساعيه لم تتخطّ حتّى اليوم، محور «الدعويّين»، بينما أصبح تفكّك «الائتلاف الموحد» هو الملموس، رغم محاولات «المجلس الأعلى» احتواء بقايا التيار الصدري، الذي كان قريباً من الدعوة، وكذلك إيجاد نوع من التفاهم مع حزب الفضيلة.
غير أنّ الاحتمال الأقوى هو ألا ينقسم الائتلاف إلى ائتلافين فقط، أحدهما ضمن مجموعة «التحالف الرباعي»، والآخر مع الجعفري، لأنّ الرهان على استمالة التيار الصدري أو حزب الفضيلة صعب جدّاً، إلى جانب الاتجاه الأميركي والحكومي العراقي الجديد الذي يتبلور حالياً، بإنشاء «مجالس الصحوة» الشيعيّة في محافظات الجنوب، بهدف التخلّص من «التطرّف الطائفي»، وهو ما يبدو أنّ التيار سيقف بقوّة في وجهه.