strong>أرنست خوري
أردوغان يريد «موتاً بطيئاً» لـ«المجتمع الديموقراطي»... وواشنطن تعاونه

مع مرور الأيّام، تظهر خيوط جديدة عن «خطّة متكاملة» تحضّرها الحكومة التركيّة لحلّ القضية الكرديّة الجاثمة بثقلها في جنوب شرق البلاد منذ عقود. ويبدو أنّ الحكومة الإسلاميّة المعتدلة التي تسلّمت الحكم عام 2002، ستلجأ إلى وسائل متعدّدة، لا تقتصر على الحلول العسكريّة التي قامت عليها سياسات الحكومات القوميّة السابقة. لكن أحداً لا يغامر ويقدّر بأنّ هذه السياسات ستكون ناجحة. فعلى الأقلّ، لم تظهر علامات هذا النجاح على أي من الصعد حتّى اليوم.
ولم يعد وجود هذه «الخطّة» سريّاً، فالرئيس عبد الله غول صرّح قبل أيّام ما يفيد بأنّ «هناك مقاربة جديدة سنعتمدها لمحاربة الإرهاب». وأضاف وزير خارجيته علي باباجان أن العالم «سيفاجأ عندما يرى الخطوات الجديدة والسريعة» إزاء المشكلة الكرديّة.
وتنقسم الخطّة المتكاملة، التي وصفها زعيم حزب الشعب المعارض دينيز بايكال بـ«السرية»، إلى عدد من المحاور: عسكري وسياسي وثقافي. خطة تضعها الحكومة تحت إطار «الخطوات الإصلاحيّة»، بينها التسامح إزاء استعمال اللغة الكردية، واحترام المناسبات الكردية القومية، والإعلام الكردي...
ويبدو أنّ رئيس الوزراء رجب طيّب أردوغان قرّر، ووزراء حكومته، اعتماد سياسة «الموت البطيء» بحقّ حزب المجتمع الديموقراطي، الممثّل الأكبر لأكراد البلاد في البرلمان، حيث يحظى بـ20مقعداً نيابياً، وذلك من خلال تهميشهم والاستعاضة عنهم بشخصيات كردية أخرى، أقلّ تمثيلاً، لكن موالية لحكومة أنقرة. وتندرج هذه الخطوة بالتوازي مع المسار القضائي الذي خطّ طريقه نحو المحكمة الدستورية، والذي ارتفعت الترجيحات بأن ينتهي إلى حظر نهائي للحزب المذكور، كونه سيُحاكم بأعظم التهم: الخيانة الوطنية والارتباط بمنظّمات إرهابيّة والتفريط بوحدة البلاد.
وكشفت صحيفة «زمان» التركية، أمس، أنّ أردوغان قرّر إلغاء الصفة التمثيليّة لنوّاب المجتمع الديموقراطي، والاعتماد على نوّاب أكراد من أحزاب أخرى، بينها حزبه «العدالة والتنمية» الذي يتزعمه، وحتّى شخصيات من أحزاب كردية غير ممثّلة في المجلس، لتصويرهم أمام الرأي العام التركي والدولي كممثّلين حقيقيّين للأكراد.
ويأتي من ضمن هذه الخطوة، اصطحاب هؤلاء الساسة الأكراد «الهامشيّين» (مقارنة بالوزن الشعبي لنوّاب المجتمع الديموقراطي)، في المناسبات الرسمية والجولات الخارجية.
وعبّر أردوغان، أمام نوّاب حزبه قبل أيّام، عن اقتناعه بعدالة تلك الخطوة، لأنّ حزبه حصد غالبية أصوات الناخبين في محافظات الأناضول ذات الغالبية الكردية في انتخابات تموز الماضي. كما عبّر رئيس الحكومة أخيراً عن عزمه السير بتلك الخطوة قائلاً: «سيرافقنا النوّاب الأكراد (من خارج المجتمع الديموقراطي) إلى الولايات المتحدة وأوروبا ليقولوا للعالم أجمع حقيقة وضع الأكراد في تركيا».
وظهر بوضوح أنّ واشنطن لا تكتفي بالتنسيق الاستخباري مع أنقرة، حسبما اتُّفق عليه بين أردوغان والرئيس جورج بوش، بل هي مشاركة أيضاً في سياسة «تحجيم» أكبر أحزاب الأكراد الأتراك؛ فقبل يومين، نظّمت السفارة الأميركية لدى أنقرة، لقاءً جمع ممثّلين عن مختلف الأحزاب لمناقشة المسألة الكرديّة، والمفاجأة كانت أنّ الحزب الوحيد الذي لم تُوَجَّه إليه الدعوة، كان «المجتمع الديموقراطي»، المعني الأوّل بالمسألة التي شكّلت موضوع الاجتماع. وبدل نوّاب هذا الحزب، دُعي نوّاب أكراد، حاليّون وسابقون، ينتمون إلى أحزاب السلطة والمعارضة، وبعضهم ليس لديه أي حيثية شعبية في المجتمع الكردي في تركيا.
أمام هذا الواقع، استشعر «المجتمع الديموقراطي» خطورة ما يُحاك ضدّه، فاستبق تلك السياسة الحكومية بالتلويح بالانسحاب من البرلمان «قريباً» بسبب ما وصفه بـ«سياسة التهميش»، واللجوء إلى التعبير عن وجوده «خارج قبّة المجلس». ورغم أنّ القيادي في الحزب الكردي، أحمد تورك، لم يوضّح ماهيّة الخطوات التي سيتمّ اللجوء إليها من خارج العمل البرلماني، إلا أنه لا يخفى على أحد، أنّه كان يلمّح في تهديد مبطَّن، إلى ما تتخوّف منه أنقرة، وما حذّرت منه تكراراً في المرحلة الأخيرة، وهو ما صوّره أردوغان كاريكاتورياً قبل فترة بـ«عودة النوّاب إلى الجبهات إلى جانب أشقّائهم» من حزب العمّال الكردستاني على الحدود التركية ـــــ العراقية ـــــ الإيرانية.
ويكتسب هذا الاحتمال جديّة حقيقية في ضوء ما كشفت عنه التحقيقات القضائية والمعلومات الصحافيّة التي أكّدت أنّ عدداً من النواب الـ20 عن هذا الحزب، يرتبطون بعلاقات زواج أو بعلاقات قربى بمقاتلين سابقين وحاليين من «العمال الكردستاني»، حتّى أنّ أحد هؤلاء النواب هو عضو من فريق المحامين عن عبد الله أوجلان.
ولمّا كانت الحكومة التركية تدرك جيّداً أنّ التمثيل الشرعي الكردي يختصره «المجتمع الديموقراطي»، فهي تعرف مدى خطورة «عودتهم إلى الجبال»، من حيث إنّ 15 مليون كردي تركي في الأناضول سيستعيدون «أمجاد» حركتهم العسكرية التي دامت بين عامي 1984 و1999، ولا تزال ذكرياتها كابوساً لا يرغب الأتراك في استعادته.
هذا في الداخل التركي. أمّا على الحدود، فتشير بعض المعطيات إلى أنّه تمّ الاتفاق على سلسلة من الإجراءات «الزجرية» بين أردوغان وبوش بالاتفاق مع أكراد العراق وحكومة بغداد، بما يتخطّى الاتفاق على تبادل المعلومات الاستخباريّة حول «العمّال الكردستاني»، لتصل إلى تسريبات مرّرتها صحف «يني شفق» و«مليات» و«زمان» حول «صفقة» تجري حالياً، بطلها رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البرزاني.
وزاد الغموض الذي يلفّ الزيارة الحاليّة التي يقوم بها البرزاني إلى أوروبا، من التحليلات التي لا تزال محصورة في إطار الصحف حتّى اليوم، والتي تفيد بأنّ الزعيم الكردي العراقي زار تركيا واتفق على اصطحاب قياديَّين كرديَّين هما الأبرز في «العمّال الكردستاني» إلى إيطاليا ليُصار إلى تسليمهما لاحقاً إلى السلطات التركية، في سيناريو شبيه نوعاً ما بالذي حصل مع أوجلان عام 1999، عندما اشتركت أجهزة استخبارات كل من تركيا والولايات المتّحدة وكينيا وسوريا... في القبض عليه.

أردوغان قرّر إلغاء الصفة التمثيليّة لنوّاب المجتمع الديموقراطي، والاعتماد على نوّاب أكراد من أحزاب أخرى، بينها حزب «العدالة والتنمية» الذي يتزعمه، وحتّى شخصيات من أحزاب كردية غير ممثّلة في المجلس، لتصويرهم أمام الرأي العام التركي والدولي كممثّلين حقيقيّين للأكراد