strong>ربى أبو عمّو
تجلّت مجدداً مفاعيل الحرب الباردة بين الولايات المتحدة وروسيا، في الاجتماع السنوي لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا في مدريد، والذي أنهى أعماله أمس، بعد يومين من المباحثات حول عدد من القضايا المتمثلة في مستقبل المنظمة والوضع في إقليم كوسوفو وأفغانستان وانتخابات مجلس الدوما في روسيا غداً.
المنظمة، ورغم تخصّصها في معالجة قضايا حقوق الإنسان والقضايا الأمنية في العلن، إلّا أنها تشكّل ساحة أخرى لتحقيق المصالح على حساب الشعوب التي تنتظر الدفاع عن حقوقها. فخلال هذين اليومين، واصلت موسكو وواشنطن مسلسل الاتهامات المتبادلة؛ إذ تعتبر الأولى أن الغرب يستخدم المنظمة كأداة لإقامة أنظمة صديقة في دول الاتحاد السوفياتي السابقة عبر التدخّل المباشر في شؤونها، فيما تتّهم العديد من الدول الغربية روسيا بشكل غير مباشر بتقويض الديموقراطية داخل المنظمة، من خلال الاستمرار في ممارسة «السياسات القمعية» بحق المعارضين، وبالتالي عدم تطبيق مبدأ حقوق الإنسان.
ومن خلال هذه المواقف أو الاتهامات، تحاول الدولتان كسب النقاط على حساب الأخرى؛ فالانتخابات البرلمانية الروسية المقرّرة غداً فرضت نفسها في المؤتمر، بعد وضع موسكو قيوداً على مراقبي المنظمة، ما دفعها إلى مقاطعة الانتخابات، في خطوة تحرم موسكو من «المسح» الذي تعتمد عليه الحكومات الغربية للتأكد من عدالة وديموقراطية الانتخابات. إلا أن روسيا اعتبرت أن المنظمة اخترعت «حجة صعوبة الحصول على تأشيرات من أجل إلغاء مهمتها في روسيا».
وتحاول واشنطن الضغط على موسكو عبر تهيئة الغرب والأعضاء في المنظمة، ولاحقاً الرأي العالم العالمي، للثورة ضد النظام الروسي انطلاقاً من مبدأ حقوق الإنسان.
إلا أن التدقيق أكثر في عمل المنظمة، يبين أنها فشلت في تحقيق الديموقراطية التي تأتي من صلب اختصاصها، في دول آسيا الوسطى التي كانت تابعة للاتحاد السوفياتي قبل انهياره، والتي انضمت بصورة تلقائية إلى المنظمة؛ لقد كان في وسعها في هذه الفترة خوض عملية إصلاح فعَّالة في آسيا الوسطى من خلال تقديم معونة تهدف بصورة أساسية إلى بناء الاقتصاد. إلا أن الأوروبيين اكتفوا بالمراقبة. فهل كان ذلك مقصوداً، في ظل الخلاف الدائم حول تأمين الموارد المالية للمنظمة، والتي تعد روسيا مسؤولة عنها؟
يبدو أن مسألة الاتفاق أو الإجماع، في ظل وجود منافسين حقيقيين ضمن المنظمة أمرٌ صعب. فواشنطن وموسكو دخلتا في سباق تجميع النقاط، ليغدو الرابح في نهاية المطاف، صاحب المجموع الأكبر.