واشنطن ـ محمد سعيد
بوش وتشيني لا يزالان يعتبران المعركة ضد إيران «استراتيجيّة»


تتجلى ملامح الحرب الأميركية ـــــ الإيرانية المرتقبة، يوماً بعد آخر، من خلال ما يُسرَّب للإعلام الغربي من معلومات استخبارية عن خطط تؤكد أن ثمة «معركة استراتيجية بين الولايات المتحدة وإيران».
ويقول الصحافي الأميركي سيمور هيرش، في تقرير نشرته مجلة «نيويوركر» أمس، إن البيت الأبيض، بدفع من مكتب نائب الرئيس ديك تشيني، طلب في الصيف الماضي من هيئة الأركان المشتركة للقوات الأميركية إعادة صياغة خطط طويلة الأمد لهجوم مُحتمل على إيران، تُركِّز على شن هجمات واسعة على المنشآت النووية والبنية التحتية لعدد من المواقع العسكرية و القيام بـ«غارات سريعة ودقيقة»، بينها تدمير معسكرات التدريب المهمة للحرس الثوري، الذي تتهمه واشنطن بشن هجمات على قواتها المحتلة في العراق، «وتطال هذه الضربات مستودعات ذخيرته ومنشآت القيادة والتحكم».
وأوضح هيرش أن هذا التغيير في الاستراتيجية يأتي بينما بدأ الرئيس جورج بوش ومستشاروه يصفون في تصريحاتهم العلنية الحرب في العراق بأنها «معركة استراتيجية بين الولايات المتحدة وإيران». ونقل هيرش عن مسؤولين أميركيين قولهم إن إدارة بوش بدأت التركيز على ضرورة مهاجمة مواقع الحرس الثوري بدلاً من المواقع النووية لعدد من الأسباب، بينها فشلها في حشد دعم شعبي لمثل هذه الهجمات بعدما أخفقت في إقناع الرأي العام الأميركي بأن إيران تشكل تهديداً نووياً وشيكاً، وتوصل البيت الأبيض إلى استنتاج أنه لا يزال أمام إيران على الأقل خمس سنوات للحصول على سلاح نووي. وأضاف أن الاعتراف يتزايد في واشنطن والمنطقة بأن طهران قد برزت بعد الغزو الأميركي للعراق باعتبارها الطرف الجيو ـــــ استراتيجي الرابح فيه.
وقال هيرش إن الإسرائيليين ذهلوا لقرار واشنطن عدم ضرب المنشآت النووية الإيرانية. ونقل عن مسؤول إسرائيلي قوله: «إن تركيزنا الرئيسي مُنصَبّ على المنشآت النووية الإيرانية، لا لأن الأمور الأخرى ليست مهمة. لقد عملنا على تكنولوجيا الصواريخ والإرهاب، لكننا رأينا أن القضية النووية الإيرانية تتقاطع مع كل الأمور».
وذكر هيرش أن بوش أبلغ السفير الأميركي لدى بغداد ريان كروكر، في مؤتمر عبر الفيديو هذا الصيف، أنه يفكر في ضرب أهداف إيرانية على الجانب الآخر من الحدود، وأن البريطانيين «يؤيدونه» وأن وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس تدخلت للقول إن الأمر يحتاج إلى القيام به بعناية كبيرة نظراً للمسار الدبلوماسي الجاري. غير أن بوش أنهى المؤتمر، بحسب هيرش، بتوجيه تعليماته إلى «كروكر بأن يبلغ إيران أن توقف تدخلها في العراق وإلا فستواجه العقاب الأميركي».
وقال هيرش إن تشيني دافع في اجتماع في البيت الأبيض خلال الصيف الماضي عن شن غارات محدودة على أهداف إيرانية في مواجهة أي اعتراض من الديموقراطيين، بدعوى أن الرئيس الديموقراطي السابق بيل كلينتون قد أمر بشن هجمات مشابهة على أفغانستان والسودان والعراق «لحماية الأميركيين».
وشكك مسؤولون وخبراء أميركيون، بحسب هيرش، في إمكان إصدار الرئيس بوش أي أمر رسمي بتنفيذ عملية عسكرية ضد إيران، إلا أن وتيرة الاستعدادات العسكرية قد تسارعت. كما أن وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية «سي آي إيه»، استناداً إلى اثنين من مسؤوليها الكبار السابقين، قد عززت حجم «مجموعة العمليات الإيرانية» وصلاحياتها.
ونسب هيرش إلى دبلوماسي أوروبي رفيع المستوى، يعمل عن كثب مع الاستخبارات الأميركية، قوله إن هناك أدلة على أن إيران تجري استعدادات مكثفة لمواجهة عمليات قصف أميركي. وأضاف: «نعلم أن الإيرانيين يعززون قدراتهم الدفاعية الجوية، ونعتقد أنهم سيردون بشكل معاكس بقصف أهداف في أوروبا وأميركا اللاتينية، حيث توجد أيضاً معلومات استخبارية تشير إلى أن إيران ستتلقى مساعدة من حزب الله بشن هجمات، حيث إنه قادر ويمكنه القيام بذلك».
وأوضح هيرش أن تعيين الأدميرال في البحرية الأميركية مايكل مولن رئيساً جديداً لهيئة الأركان المشتركة للقوات الأميركية، يعني منح البحرية الأميركية دوراً مهماً في الخطط ضد إيران. ونقل عن مسؤول سابق في الاستخبارات الأميركية قوله إن «طائرات وسفناً وصواريخ كروز تابعة للبحرية الأميركية، هي في الخليج وتعمل يومياً، إن لديهم كل ما يحتاجون إليه، توجد خطط لقصف مواقع الصواريخ الإيرانية أرض ـــــ جو المضادة للطائرات».
وقال مستشار الأمن القومي في عهد الرئيس الأسبق جيمي كارتر، زبيغنيو بريجينسكي، الذي ينتقد بشدة السياسة الخارجية لبوش: «هذه المرة لا تشبه الهجوم على العراق، سنؤدي دور الضحية. وسنعلق في حرب إقليمية لعشرين سنة»، حسبما نقل عنه هيرش.
أمّا السفير البريطاني لدى الولايات المتحدة، ديفيد مانينغ، فقد رأى أن واشنطن لا تزال متمسكة بالخيار الدبلوماسي حيال إيران أكثر من التفكير بشن ضربات جوية على منشآتها النووية، حسبما جاء في مقابلة أجرتها معه صحيفة «الغارديان» ونشرت أمس.
في المقابل، حذر أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي لاريجاني، في مقابلة مع صحيفة «فايننشال تايمز»، من أن «الولايات المتحدة بإمكانها مهاجمة إيران إن ارادت أن تستقبل إسرائيل على كرسي متحرك وتضع يديها في خلية نحل».