موسكو ــ الأخبار
تقف أوكرانيا اليوم على مفترق طرق، شبيه بذلك الذي اعترض عمليّتها السياسيّة قبل ثلاث سنوات؛ فنتائج الانتخابات النيابيّة لم تغيّر كثيراً في توزع مراكز قوى ثالوث المسرح السياسي الأوكراني: الرئيس الضعيف فيكتور يوتشينكو، ورئيس الوزراء الساعي إلى الاحتفاظ بالسلطة فيكتور يانوكوفيتش، ورئيسة الوزراء السابقة الطامحة لـ«الانتقام» من خلال «محاربة الفساد» يوليا تيموتشينكو.
وبعد فرز نحو 83 في المئة من الأصوات، حظي حزب يانوكوفيتش، «الأقاليم» الموالي لموسكو، على تأييد 32.6 في المئة من الناخبين، فيما نالت كتلة تيموتشينكو، المدعومة غربياً، نحو 31.81 في المئة من الأصوات، بعدما كانت التقديرات قد رجحت أن يكون الفارق على الأقلّ 5 نقاط.
أمّا كتلة «أوكرانيا لنا»، الموالية ليوتشينكو، الذي يتزعّم «الحزب القومي الأوكراني للدفاع عن النفس»، فقد حظيت بـ 14.94 في المئة من الأصوات. ويشكّل تمثيلها، مجموعاً مع حليفتها «كتلة تيموتشينكو»، 46.75 في المئة من الأصوات، وذلك في مواجهة 44.97 في المئة من التأييد لحزب «المناطق»، إذا أعربت الكتلة الشيوعيّة (5.24 في المئة من الأصوات) والكتلة الاشتراكيّة (3.11 في المئة من الأصوات) وكتلة الرئيس السابق لمجلس النوّاب، فلاديمير ليتفين (4.02 في المئة من الأصوات) عن استعدادها للتحالف معه.
وللدلالة على حساسيّة الموقف والتناحر بين الأطراف، طلب يوتشينكو تحقيقاً في حساب الأصوات في المناطق الشرقيّة والجنوبيّة من البلاد، حيث تسود اللغة الروسيّة، وتحظى «الأقاليم» بغالبيّة مطلقة. وهذا الطلب يعزّز من وقعه خطاب يانوكوفيتش الذي شدد على «أننا فزنا وأنا واثق من أنّنا سنشكّل الحكومة المقبلة»، فيما تجمّع نحو 3 آلاف مناصر له في «ساحة الاستقلال» في وسط كييف للتعبير عن فوزهم.
وتظهر النتائج أنّه لا وجود لمنتصر حقيقي. وأصبحت هذه الانتخابات تكراراً لما جرى العام الماضي، وسبّب اندلاع أزمة سياسية في البلاد أجبرت يوتشينكو على تعيين خصمه يانوكوفيتش رئيساً للوزراء، ومن ثم إجراء الانتخابات المبكرة. ولذا، فلن تستطيع تيموتشينكو وحدها تأليف الحكومة، وسيبدأ صراع جديد على السلطة رغم إعلان تشكيل تحالف بين «أوكرانيا لنا» وكتلتها. وقد وجدت «الثورة البرتقالية» نفسها غير مرّة، منذ انطلاق شرارتها عام 2004، في مأزق لعدم القدرة على تأليف حكومة من دون ائتلافات مع القوى السياسية الأخرى. ويتخوّف المراقبون الأوكرانيون من مسار تصفية حسابات سياسية جديدة في المجتمع السياسي الأوكراني، وأن تقوم الحكومة المقبلة، التي يتوقّع المراقبون أن تؤلفها «أميرة الغاز»، بعملية إعادة للخصخصة، تنزع فيها ملكية الكثير من رجال الأعمال الروس في أوكرانيا، وذلك ما سيوتّر العلاقات الروسية ـــــ الأوكرانية من جديد.
وفي السياق، علّق رئيس مجلس الدوما الروسي، بوريس غريزلوف، على النتائج الأوليّة للانتخابات الأوكرانية قائلاً إنّها لم توحّد الأوكرانيين، وإنّ «الناخبين لم يحدّدوا كما في السابق من يساندون، حيث صوّت غرب وشرق البلاد لزعماء متباينين». وتوقّع أن تكون السياسة في ضوء النتائج المعلومة في أوكرانيا «عكرة ومبهمة».
ويرى الباحث في جامعة «جورج واشنطن» في الولايات المتّحدة، تاراس كوزيو، أنّ «النتائج التي حقّقتها تيموتشينكو أنقذت الثورة البرتقاليّة من النسيان»، فيما حذّر الخبير في «مؤسّسة كونراد أدينوير» في كييف، نيكو لانج، من قيام حزب «المناطق» بتحدّي النتائج، قائلاً: «سيلجأون إلى المحكمة وسيسيّرون التظاهرات ضدّ نتائج الانتخابات».
على أي حال، يتوقّع المراقبون أن تُفاقِم التحالفات العابرة والخصومات الدائمة الأزمة السياسية الأوكرانية من جديد، التي يمكن أن تستمرّ حتى الانتخابات الرئاسية العام المقبل، التي ستحدّد وجهة مسار أوكرانيا... شرقاً أو غرباً.