strong>مع بدء العائلات العربية مغادرة كركوك بعد قبول التعويضات المالية، تعود قضيّة التطبيع في المدينة المتنازع عليها بين كُردها وعربها وتركمانها إلى صدارة المخاوف من أن تنطلق منها شرارة الانفجار الكبير وغير المضبوط في بلاد الرافدين، في وقت تلقّت فيه حكومة بغداد نكسة دبلوماسية مع إصابة السفير البولندي لديها بجروح بعد محاولة اغتيال تعرّض لها أمس
فيما يسود التشاؤم إمكان تطبيق المادّة 140 من الدستور العراقي، التي تنصّ على تطبيع الأوضاع في كركوك، شهدت الأيام الأخيرة تطوراً نوعياً تمثّل في بدء حركة الهجرة المعاكسة لعرب المدينة الذين استوطنوها في العقدين السابع والثامن من القرن الماضي، وفقاً لسياسة مدروسة من الرئيس صدام حسين لتغيير التركيبة الديموغرافية فيها.
وبدأ السكان العرب في كركوك منذ يوم أمس بمغادرتها، بعدما قبلوا التعويضات المالية التي صرفتها لهم الحكومة العراقية (نحو 20 مليون دينار عراقي، أي ما يعادل 16 ألف دولار أميركي لكل عائلة)، حسبما نصّت عليه المادّة الدستورية المذكورة، وذلك في خطوة تحضيرية لإجراء مسح سكاني شامل تمهيداً لاستفتاء في نهاية العام الجاري يستهدف تحديد مستقبل المدينة التي يطالب الأكراد بضمّها إلى إقليم كردستان العراق، وهو ما يعارضه بحدّة كل من عربها وتركمانها.
ويخشى بعض العرب والتركمان الذين لا يرغبون في الرحيل، أن يُجبروا على مغادرة المدينة في حال إجراء الاستفتاء، ويريدون تأجيله أو التخلّي عنه. ويخشى محلّلون من اندلاع أعمال عنف إذا جرى الاستفتاء ضدّ رغبات الطوائف غير الكردية.
وتتباين التقديرات حول أعداد عرب كركوك؛ ففيما تقدّرها المصادر التركمانية بنحو 70 ألف أسرة (أو نحو 230 ألف مواطن من إجمالي عدد السكان البالغ نحو 750 ألف نسمة)، يقول الأكراد إنّ مجموع عديدهم هو أكبر بكثير ويقترب من 135 ألف أسرة. وبحسب وزارة البيئة، فإن 2400 أسرة حصلت على التعويضات المالية وبدأت فعلاً بالانتقال إلى مناطقها الأصلية التي تقع بمعظمها في محافظات الجنوب والسماوة تحديداً.
وفي السياق، قرّرت وزارة الأوقاف والشؤون الدينية في إقليم كردستان العراق أمس تغيير الأسماء العربية للمساجد في الإقليم وتبديلها بأخرى كردية، في خطوة تأتي ضمن إطار «محاولات إضفاء طابع قومي كردي على المؤسسات الدينية في الإقليم».
وفي السياق، أعلنت حكومة إقليم كردستان، في بيان على موقعها على شبكة الإنترنت، إنها وافقت على أربع صفقات جديدة للنفط والغاز تجتذب نحو 500 مليون دولار من الاستثمارات لأعمال التنقيب، وذلك وسط خلافات كبيرة بينها وبين الحكومة المركزية في شأن العقود النفطية.
في هذا الوقت، وبعد تعرُّض العديد من الدبلوماسيّين الأجانب والعرب المعتمدين لدى بغداد لمحاولات اغتيال منذ بدء الاحتلال، نجا السفير البولندي لدى العراق أمس الجنرال إدوارد بيترزيك من الموت بعدما أُصيب بجروح طفيفة وقُتل 2 من حرّاسه عندما تعرّض موكبه لهجوم بعبوات ناسفة في العاصمة العراقية.
وعلى الفور، قال رئيس الوزراء البولندي ياروسلاف كاتشينسكي إنّ بلاده لن تسحب قوّتها المؤلّفة من 1000 جندي من بلاد الرافدين. وحثّ كاتشينسكي المعارضة التي تطالب بخروج قوّات بلادها من العراق على الاحتشاد وراء الحكومة قائلاً إن أي انقسام داخلي سيشجّع على المزيد من الهجمات على المسؤولين أو الجنود البولنديّين في بلاد الرافدين، وذلك قبل أيّام من الانتخابات العامة المبكرة المقرّرة في 21 تشرين الجاري.
إلى ذلك، أعلن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي أمس أن العراق سيؤجّل تنفيذ حكم الإعدام الصادر بحق علي حسن المجيد، ابن عم صدام حسين، حتى نهاية شهر رمضان. وأضاف أنّ على شركة «بلاك ووتر» مغادرة بلاده نهائياً بعدما تراكمت الإفادات التي تدينها بارتكاب الجرائم والمخالفات، وخصوصاً بعدما تبيّن أمس في تحقيقات الكونغرس أنّ عدد العراقيين الذين قتلهم مرتزقة الشركة في 16 أيلول الماضي، هو 17 وليس 11 كما ورد في التقارير الأميركية والعراقية الرسمية.
وأشاد المالكي، من جهة أخرى، بالفتوى التي أصدرها مفتي السعودية الشيخ عبد العزيز الشيخ أخيراً في شأن تحريم «الدعوات التكفيرية» والأعمال الجهادية في الخارج، متمنياً أن يكون هذا الموقف «الإيجابي والجيد، نموذجاً لجميع العلماء في مختلف الدول العربية والإسلامية، لتصحيح المسار الذي انتهجه بعض الشباب».
كما حذّر المالكي من أنّ توجيه ضربة عسكرية لإيران «سيكون بمثابة كارثة» على العراق والمنطقة والعالم، داعياً إلى مواصلة الحوار لحلّ المشاكل العالقة معها، غير أنه لم يستبعد توجيه مثل هذه الضربة «وهذا ما لا نتمناه».
في المقابل، صوّت مجلس النواب الأميركي أول من أمس، بغالبية 377 صوتاً في مقابل 46، على نصّ غير ملزم لا يجبر الرئيس جورج بوش تحديد جدول زمني للانسحاب من العراق، لكنّه يطلب من وزارة الدفاع (البنتاغون) والكونغرس أن يقدّما خططهما لسحب قوات الاحتلال من بلاد الرافدين بشكل دوري.
وكشف بعض النواب الديموقراطيّين عن خطّتهم الجديدة لعرقلة إقرار الميزانية المطلوبة لتمويل الحرب، وأخرى لزيادة الضرائب على الأميركيّين، في محاولة لزيادة الاستياء الشعبي من الحرب.
ميدانياً، قُتل نحو 15 عراقياً أمس، كما اختُطف 13 في بغداد، في ظلّ توافد آلاف الزوار الشيعة إلى مدينة النجف وسط حراسة أمنية مشددة للمشاركة في ذكرى استشهاد الإمام علي، وهو أوّل احتفال ديني كبير منذ أحداث كربلاء التي أدّت إلى مقتل 52 شخصاً في آب الماضي.
(الأخبار، أ ب، أ ف ب،
رويترز، د ب أ، يو بي آي)