ربى أبو عمو
يهاب الشعب الباكستاني نزعة الرئيس برويز مشرّف ليكون على صورة وشعبية الزعيم الكوبي فيديل كاسترو، حسبما قال بنفسه في كتابه «في خط النار». الاّ أنّ تكريس هذا المشهد يبدو صعباً بعدما اجتذبه الرئيس الأميركي جورج بوش إلى أترابه، ومنحه لقب «الرفيق». كذلك رآه الغرب «الرهان الأفضل» بين الشخصيات الرئيسية في باكستان

من المرتقب أن يُنتخب برويز مشرّف اليوم رئيساً لولاية ثالثة وفق الأصول الدستورية المعتمدة في باكستان، بناء على التعديلات التي أجراها بنفسه والتي منحت المنصب الرئاسي صلاحيات جمة، بعدما كان إلى عام 1999 صورياً في ظل النظام البرلماني وغلبة رئيس الحكومة.
مسيرة طويلة من التحالفات والمؤامرات قطعها مشرّف للوصول إلى سدة الرئاسة؛ فهو عمد بعد تولي السلطة في عام 1999 إثر انقلاب عسكري، إلى تقديم دعم سرّي لحركة «طالبان» وتنظيم «القاعدة» لخدمة مصالح بلاده في أفغانستان وكشمير الهندية. بيد أنه وجد نفسه مضطراً بعد أحداث 11 أيلول 2001 إلى الدخول في مواجهة مع «المتطرفين» إرضاءً لواشنطن وتهديداتها، في حربها المعلنة على الإرهاب.
وأثار الأسلوب التعسّفي الذي اتبعه مشرف مع الجماعة الإسلامية، والمتمثل في إغلاق المدارس الدينية، إضافة إلى مواجهته المعارضة اللبرالية، عبر عزل رئيس المحكمة العليا افتخار تشودري ورفضه إجراء الانتخابات التي كانت مقرّرة قبل ثلاث سنوات بقرار من المحكمة العليا، استياء المواطنين، وهو ما أفقد النظام جزءاً مهمّاً من صدقيته الداخلية. كذلك أسهمت إدارة حكومته لأزمة المسجد الأحمر في تعميق المأزق، رغم الدعم الأميركي.

نشأته

لم يكن مشرّف الطفل الأذكى في عائلته. الاّ أن والدته زهرة رغبت في أن يكون ابنها جندياً، فلم يخالف رغبتها. وهو ولد عام 1943 في العاصمة الهندية نيودلهي لأسرة متواضعة، قبل أن تهاجر إلى باكستان عقب انفصالها عن الهند عام 1947.
انخرط مشرف في الجيش وتدرّج في رتب مختلفة. وفي عام 1998، عينه رئيس الوزراء السابق نواز شريف رئيساً لهيئة الأركان. وفي تشرين الأول عام 1999، قاد مشرف انقلاباً على شريف على خلفية اتهام الأخير له بمحاولة إسقاط الطائرة التي كانت تقلّه من سريلانكا، ليعيّن نفسه في 6 حزيران من عام 2001، رئيساً لباكستان بعد استفتاء شعبي إثر اتهام المعارضة السياسية له بفقدان الشرعية لتمثيل باكستان في لقاء القمة مع الهند.
ويقول المحلّل السياسي ومؤلف كتاب «الجيش، الدولة، والمجتمع في باكستان»، حسن عسكري رضوي، إن «الانقلاب كان بمثابة ردة فعل على محاولة شريف تقسيم كبار قادة الجيش والسيطرة على الجيش، عبر استبدال رئيس الأركان مشرّف بضابط آخر أقل رتبة، يعرف بولائه لشريف». وفي كتابه، يصف الرئيس الباكستاني شريف ورئيسة الوزراء السابقة بنازير بوتو بأنهما «أسوأ ما شهدته باكستان».
ومنذ تولّيه السلطة، عمد مشرّف إلى تعزيز وضعه داخلياً، فعقد اتفاقاً مع أحزاب المعارضة الإسلامية يتخلى بموجبه عن قيادة الجيش في نهاية عام 2004 في مقابل إمرار تعديلات دستورية وسّعت صلاحيات الرئيس. إلا أنه لم ينفذ الاتفاق، رغم إمرار البرلمان تعديلات دستورية تعطي صلاحيات واسعة لمشرّف بما في ذلك سلطة إقالة الحكومة المنتخبة.
إلى ذلك الحين كان الرئيس الباكستاني يحظى بتأييد شعبي واسع، على اعتبار أنه «المنقذ» من حقبات الفساد التي مرّت بها البلاد إبان حكمي شريف وبوتو. إلا أن التحوّل في الموقف الشعبي بدأ في فترة تعديل الدستور نفسها، حين أقالت الحكومة «أبو القنبلة النووية الباكستانية» عبد القدير خان من مهماته مستشاراً لرئيس الوزراء للشؤون العلمية وفرضت عليه الإقامة الجبرية على خلفية مزاعم بتسريبه تكنولوجيا نووية إلى إيران وليبيا، وهو ما أثار مشاعر غضب واسعة في أوساط الجماهير والمعارضة.
جاء ذلك بعدما كان مشرّف قد دخل في مركب مكافحة الإرهاب، الذي تقوده أميركا بعد أحداث 11 أيلول، فاتحاً على نفسه جبهات داخلية حول جدلية السيادة والتبعية، على خلفية تعاونه الاستخباري المفتوح والواضح مع الاستخبارات الأميركية في تقصّي ناشطي ورموز تنظيم «القاعدة»، بل وتسليم واشنطن نحو 500 ناشط باكستاني، فكان عرضةً لـ 6 محاولات اغتيال خلال ثماني سنوات، كان أبرزها عام 2003.
وجاءت قضية المسجد الأحمر في الصيف الماضي لتكون القشة التي قصمت ظهر البعير، بعد قرار مشرّف دهم المتحصنين فيه، والذي وصف بأنه أحد أخطر القرارات السياسية التي اتخذها الرئيس الباكستاني منذ مشاركته في الحرب على الإرهاب، وهو ما أثار غضباً إسلامياً باكستانياً لا تزال تداعياته مستمرة إلى اليوم.

مصافحة شارون

وما زاد النقمة الداخلية على الرئيس الباكستاني، هو الانفتاح الذي شهده عهده على إسرائيل، وتوّج في أيلول عام 2005 بمصافحة مشرّف رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق أرييل شارون على هامش اجتماعات الدورة الـ60 للجمعية العامة للأمم المتحدة، التي كانت قد سبقتها مصافحة بين وزير خارجية باكستان خورشيد قاصوري ونظيره الإسرائيلي سيلفان شالوم في اسطنبول.
وكان مشرف قد التقى الرئيس الإسرائيلي الحالي شمعون بيريز أثناء قمة دافوس في كانون الثاني من عام 2004، وخاطبه «يا عزيزي».
ولم يأتِ ﺫاك اللقاء من فراغ، بل كان تتويجاً لسياسة مشرف القاضية بإعادة تقويم السياسة الباكستانية تجاه دولة إسرائيل بـ«عقلية منفتحة»، على حد وصفه. وكانت أولى خطواته في هـﺫا المجال تعيين قائد الأركان السابق الجنرال جهنجير كرامات منسّقاً للإشراف على ملف العلاقات الباكستانية ـــــ الإسرائيلية.

الهند وباكستان

عرفت فترة حكم مشرّف تقارباً مع الهند، التي خاضت وباكستان حربين عامي 1947 و1965 على خلفية النزاع حول إقليم كشمير. وبعد التوتر الذي شهدته حدود البلدين عام 2001 إثر الهجوم على البرلمان الهندي، بادر مشرّف إلى مصافحة رئيس الوزراء الهندي أتال بيهاري فاجبايي في ختام خطاب ألقاه أمام قمة رابطة دول جنوب آسيا للتعاون الإقليمي (سارك) في 5 كانون الثاني من عام 2002. وفي تشرين الثاني من العام نفسه، أعلن مشرّف وقف القتال رسمياً عبر الحدود بين البلدين.