يروّج الجيش الأميركي لقيادته في أفريقيا باعتبارها «يد المساعدة والتدريب» لأفقر قارّات العالم. فالمسؤولون الأميركيّون يضفون على القيادة الإقليمية الجديدة التي يجري تدشينها اليوم، طابعاً زاهياً لخدمة الآخر قائلين إنّها مصمّمة لمساعدة القارة السوداء على تحسين استقرارها وأمنها من خلال الحكم الرشيد وسيادة القانون وتوفير الفرص الاقتصادية.غير أنّ الأفارقة، الذين يشيرون إلى ما يحدث في العراق وأفغانستان، يرون مخاطر مزدوجة من تلك القيادة، في صورة زيادة التدخّل الأميركي واحتمال التدخّل العسكري، ومن خلال جعل أفريقيا هدفاً لأعداء الولايات المتحدة في العالم.
ويرى محلّلون دوافع استراتيجية تتّضح من خلال التجارب السابقة وراء القيادة العسكرية الأميركيّة في أفريقيا. ويقولون إنّ الولايات المتحدة تريد تأمين تدفّق النفط من قارّة تمثّل بالفعل مصدراً رئيسياً لواردات الطاقة الأميركية في عالم مضطرب. فسرعان ما ستكون دول في خليج غينيا منتجة للنفط مثل نيجيريا وأنغولا، مصدر ربع واردات الولايات المتحدة من هذه المادة الحيوية.
كما أصبحت صحاري وجبال القرن الأفريقي ومنطقة الساحل القاحلة جبهة جديدة في «الحرب الأميركية على الإرهاب»، التي قد تتعرّض فيها دول منتجة للنفط في أفريقيا جنوب الصحراء لهجمات من إسلاميّين يأتون من الشمال.
ويلفت مسؤولون أميركيّون إلى أنّ القيادة في أفريقيا لا تعني وجود قواعد عسكرية جديدة، بخلاف القاعدة الموجودة بالفعل في جيبوتي. غير أنّ بعض المراقبين يرون أنّ زيادة الوجود العسكري الأميركي يهدف إلى مواجهة حملة تجارية ودبلوماسية من الصين للاستفادة من أحد مخزونات النفط والمعادن في العالم، التي لم تُستكشف بعد بصورة كبيرة.
وفي السياق، يقول مدير القسم الأفريقيّ في منظّمة «هيومان رايتس واتش»، بيتر تاكيرامبودي، إنّ «هناك هدفين رئيسيين (للقيادة الجديدة): تأمين تدفق الموارد، وخصوصاً النفط، ثم مكافحة الإرهاب». ويوضح أنّه فيما ستعزّز تلك القيادة من القدرة الدولية على رصد كوارث إنسانية ومواجهتها، مثلما حدث في دارفور، فإنّ الحال قد تنتهي بتغلّب الاعتبارات الاستراتيجية الأنانية، مبيّناً أنّه «عندما تكون هناك صراعات مرتبطة بمكافحة الإرهاب وأمن الطاقة فإنّ العزف يتمّ على وتر حقوق الإنسان».
ورغم أنّ مقرّها سيبقى في ألمانيا في البدء، إلّا أنّ القيادة الأميركيّة لأفريقيا ستنتقل إلى القارّة المعنيّة. ويمثّل التوصّل إلى مقرّ في أفريقيا مشكلة دبلوماسية شائكة؛ فـ«الحلفاء» يرحّبون ويرون أن الأمر «فكرة طيّبة»، على حدّ تعبير وزير الدولة لشؤون الدفاع في أوغندا، روث نانكابيروا، وليبيريا تعرض، وحيدة حتّى الآن، استضافة المقرّ.
غير أنّ الجزء الجنوبي من القارة، الذي يضمّ القوّة الإقليمية جنوب أفريقيا، معارض بشدّة، على ما يبدو، لوجود قاعدة أميركية؛ فالرئيس الزامبي، ليفي مواناواسا، وهو الرئيس الحالي لمجموعة «تنمية الجنوب الأفريقي»، شدّد أخيراً على أنّه «لن تكون هناك قاعدة عسكرية في زامبيا أو في منطقة المجموعة».
ويرى المحلّل في «معهد جنوب أفريقيا للشؤون الدولية»، كورت شيلينغر، أنّ الأهداف «الاستعمارية الجديدة والتآمرية» وراء القيادة قد تتلاشى في نهاية الأمر. وقال: «أعتقد أنّه بمرور الوقت ستحقق الدول المضيفة مكاسب أكبر كثيراً ممّا تخاطر به».
(رويترز)