موسكو ــ حبيب فوعاني
تشهد طهران في منتصف الشهر الجاري، زيارة تاريخيّة يقوم بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للمشاركة في قمّة الدول المطلّة على بحر قزوين، إلى جانب نظرائه من كازاخستان وأذربيجان وتركمانستان وإيران. ويبدو أنّ المحادثات، على هامشها، ستتمحور حول «مقايضات» تتعلّق بمحطّة بوشهر النوويّة المثيرة للجدل، وبثروات قزوين، التي لن يمرّ تقاسمها من دون مراقبة حسّاسة من الولايات المتّحدة


رغم سعي مصادر الكرملين إلى التخفيف من وقعها وتأكيد روتينيّتها وحصرها بأمور بحر قزوين، في وقت تشتد الضغوط الفرنسية والأميركية على إيران، فإنّ الزيارة التاريخية لفلاديمير بوتين إلى طهران في 16 من الشهر الجاري، تعدّ نصراً للدبلوماسية الإيرانية، وسيتوقف على نتائجها رسم معالم العلاقات الدولية المقبلة.
وتشير مصادر دبلوماسية إيرانية في موسكو إلى أنّ زيارة بوتين ستتعدّى إطار بروتوكولات حضور القمّة والتقاط الصور التذكارية، إلى اجتماعات سريّة ومطوّلة مع القادة الإيرانيين، والتحدّث بصراحة مع الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، سواء بالنسبة للمحطة الكهروذرية، التي يجري بناؤها في بوشهر، أم في شأن الوضع القانوني لبحر قزوين.
وتريد القيادة الإيرانية أن تتلقّى ضمانات نهائية على أعلى المستويات بالنسبة إلى عدد من القضايا المهمّة، في مقدّمها حسم مسألة إنهاء العمل في محطّة بوشهر، وذلك بعدما كان الشهر الماضي قد شهد زيارة وزير الخارجيّة الإيراني منوشهر متّكي إلى موسكو، تحدّث بعدها عن «اختراق» في المفاوضات لاستكمال بناء مفاعل بوشهر. وفي السياق، نفى مصدر في قطاع الطاقة النووي الروسي، في حديث مع وكالة «رويترز»، أن يكون الوقود النووي الروسي جاهزاً للنقل. وقال إنّ «إجراء ختم الوقود النووي من قبل خبراء دوليّين، وهو خطوة مهمّة نحو إعداده للنقل إلى محطة بوشهر، لم يجرِ بعد». وتلا ذلك التصريح المعتاد للجانب الروسي، والذي يُفهم منه أن إيران، كما في السابق، إما لا تسدد المستحقّات أو أنّها لا تفلح في التسديد في المواعيد المحدّدة. ومع ذلك، فإنّ القيادة الروسية تتحدّث عن عدد كامل من المسائل المهمّة، التي يريد بوتين بحثها مع المسؤولين الإيرانيين. ولكن ما هي تلك القضايا؟
وفقاً للرئيس الإيراني، وباعتبار أنّ موضوع بحر قزوين سيكون الموضوع الرئيس، فستجري مناقشة «التقاسم العادل» لثرواته خاصة. غير أنّ أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي لاريجاني، واثق من أنّ النقطة الرئيسيّة ستكون قضية بوشهر.
ويبدو أن موسكو لا تريد في لعبتها مع واشنطن، التخلّي عن الورقة الإيرانية، وأهمّ ما فيها الوقود النووي، الذي تفيد مصادر مطّلعة ومستقلّة بأنّه جاهز منذ أشهر، ويرقد في محطة «نوفوسيبيرسك» للمركزات الكيميائية في سيبيريا، وينتظر نقله إلى بوشهر القرار السياسي من موسكو وحسب.
إضافة إلى ذلك، معلوم أنّ الولايات المتّحدة تضاعف من ضغوطها، لا على إيران وروسيا فقط، بل وعلى حلفائها الأوروبيين، من أجل دفعهم إلى المماطلة في توريد المعدّات اللازمة لبوشهر. وعلى هذه الخلفية، يمكن فهم تصريحات الجنرالات الأميركيّين عن امتلاك البنتاغون لقنابل فائقة القوة التدميريّة والقادرة على اختراق التحصينات تحت الأرض، وتدمير المنشآت النووية الإيرانية تماماً، وخلال ساعات. بينما يخشى الإيرانيون أن تلجأ روسيا في الوقت الباقي من ولاية بوتين، التي تتنتهي في آذار المقبل، إلى مجموعة كاملة من خطوات «المقايضات» السياسية مع واشنطن. والأمر هنا يتعلّق «بالمقايضات السياسية» المعلومة، التي يقوم بها الرئيس الروسي في الأوقات الأخيرة. إذ ينوي على ما يبدو، آخذاً بالاعتبار تصلّب إيران بالنسبة لموضوع تقاسم بحر قزوين، وكذلك مواقف الدول الأخرى المطلّة عليه (وخصوصاً الموقف الكازاخستاني المؤيّد لروسيا)، ربطَ موضوع بوشهر بـ«التقاسم العادل»، الذي، برأي موسكو، تقف طهران وحدها عائقاً أمامه.
ولذا تحدو الروس الآمال لاستغلال الوضع، الذي وجدت إيران نفسها فيه الآن، لإقناعها بقبول حلول وسط، إما بالنسبة إلى بوشهر أو بالنسبة إلى وضع بحر قزوين.
وعلى المحك الآن، صورة روسيا في عيون المسلمين والعرب، التي سيجتهد بوتين في تلميعها أمامهم من على المنبر الإيراني، وإيصال رسالة للأمّة الإسلامية تفيد بأن روسيا لا تمانع بتزويدها بالوقود والمفاعلات والتكنولوجيا النووية على خلاف واشنطن، المستعدّة للذهاب إلى حد التدخل العسكري للحؤول دون امتلاك شعوب المنطقة، ما عدا إسرائيل، للتقنية النووية.
ولذا، سيسعى بوتين إلى استمالة دول المنطقة النفطية، في محاولة للوقوف في وجه واشنطن الطامحة إلى وضع اليد على موارد بحر قزوين النفطية. فعلى سبيل المثال، تنظر روسيا بعين القلق إلى تكليف الشركة الأمنيّة الأميركيّة، «بلاك ووتر»، ذائعة الصيت في العراق، من جانب الحكومة الأميركية، وبموجب عقد تبلغ قيمته 2.5 مليون دولار سنوياً، في إطار مشروع «حارس قزوين»، للانتشار في أذربيجان لحماية المصالح النفطية هناك، ولتدريب القوّات البحرية في منطقة بحر قزوين، وإنشاء قاعدة عسكرية متاخمة للحدود الشمالية لإيران. وذلك في إطار تحرّك كبير باتّجاه ما يسمّيه الخبراء في المنطقة «اللعبة الكبرى»، وهي محاولة السيطرة على نفط بحر قزوين الذي يقدر بنحو 100 مليار برميل، بينما يبلغ حجم مخزون الغاز الطبيعي المؤكّد فيه نحو 8300 مليار متر مكعب.
ويعتقد بوتين أنه سيستطيع مع نظرائه من «رابطة الدول المستقلة»، إقناع نجاد بالتنازل بالنسبة إلى بحر قزوين. إلّا أنّ الأخير سيكون أيضاً، على ما يبدو، بالمرصاد لمثل هذه «المقايضات الروسية». وفي نهاية الأمر، سيشهد منتصف الشهر الجاري «لعبة قزوين ـــــ بوشهر» الكبرى، التي ستصطدم فيها المصالح الروسية والإيرانية والغربية.
وتأتي زيارة وزيرة الخارجية الأميركيّة كوندوليزا رايس ووزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس إلى روسيا في 12 تشرين الأوّل الجاري، ليس فقط لبحث مشكلة الدرع الصاروخية الأميركية، بل ولدخول المزاد السياسي، الذي لن يكون علنياً هذه المرّة. إذ إنّ واشنطن، على عكس موسكو، لا تملك أيّ أوراق للضغط على طهران سوى عن طريق الروس.