باريس ــ بسّام الطيارة
منذ إطلاق وزير الخارجيّة الفرنسي، برنار كوشنير، تصريحاته «الحربية» ضدّ إيران الشهر الماضي، وسحابة من التساؤلات تغلق أفق الشركات الفرنسية الكبرى العاملة في الجمهوريّة الإسلاميّة، وخصوصاً بعدما أعلنت باريس مراراً عن رغبتها في فرض قيود إضافية أوروبية تتجاوز إطار العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة عبر قرارين في مجلس الأمن.
وتقف الشركات الفرنسية حائرة في ظل التباين بين باريس وعدد من العواصم الأوروبية تجاه العقوبات التي أعلنت كل من برلين وروما ومدريد تحفظّها الشديد عليها. وهي تتخوّف من أن تسارع شركات أخرى في احتلال مواقعها إذ هي انصاعت لما وصفه الناطق الرسمي باسم الإليزيه، دافيد مارتينو، بأنّه «نصائح موجهة للشركات الأوروبية بعدم الردّ على استدراجات العقود في أسواق إيران». فالشركة النمساويّة لإدارة النفط، «أو أم في»، وقعت في نهاية نيسان الماضي، مع شركة النفط الإيرانية الوطنية، «نيوك»، اتفاقاً لتطوير «المرحلة ١٢» من حقول «بارس الجنوب»، بينما تتفاوض شركة «إني»، الإيطالية، لتطوير حقول جديدة. وقد صرّح رئيس المجموعة النفطيّة الفرنسيّة، «توتال»، كريستوف دو مارغوري، أنّه «لا يمكن أيّ دولة مهما كانت قوّتها أن تقرّر بشكل أحادي أين يمكن شركة نفطية الاستثمار»، مشيراً إلى «ضغوط كبيرة تمارسها الولايات المتحدة» لترك إيران. وكان كوشنير قد ذكر بالاسم «توتال»، إلى جانب شركة «غاز فرنسا»، لأنّ الأخيرتين تتفاوضان منذ 5 سنوات لإقامة مصانع تسييل الغاز في حقل «بارس الجنوب»، بحيث تتعهّد الأولى استخراج الغاز الإيراني والثانية تسويقه في أوروبا والعالم. أما شركتا السيّارات الفرنسيّتان «رينو» و«بيجو» فهما مستهدفتان أيضاً؛ فالأولى استثمرت ما يزيد على ٣٠٠ مليون دولار في مصنع «رينو بارس» لتجهيزات السيارات المصنّعة في إيران، «خودرو» و«سايبا»، وهو أكبر استثمار صناعي منذ سنوات. ويقول أحد مسؤوليها رافضاً، الكشف عن اسمه، «لا يمكن العودة عن اسثماراتنا».
وفي المقابل، شدّدت «بيجو»، التي يبلغ عدد سياراتها المجمّعة محلياً في إيران ما يزيد على ٢٢٠ ألف سيارة (موديل ٢٠٦ و٤٠٥) في السنة، إضافة إلى ١١ ألف سيّارة من طراز «سيتروين سايبا»، على «أنّنا نبيع قطع غيار (للإيرانيّين) ولن نغير شيئاً في سياستنا إلّا إذا وقعت الحرب».
وندّد المسؤول في إحدى شركات الهندسة الصناعيّة، برنار تارديو، في حديث لصحيفة «فيغارو»، بتصريحات كوشنير ووصفها بأنّها «غير عاقلة ومن دون جدوى»، واستطرد بأن تصريحات مماثلة «لا يمكنها إلّا أن تعقّد عمل الشركات التي تعمل على الأرض في إيران» من دون أن تؤثّر على النظام الإيراني. أما الشركات التي لا تزال عقودها في طور التفاوض، فهي لم تقطع مفاوضاتها وتنتظر جلاء الموقف قبل «اتخاذ قرارات لا يمكن الرجوع عنها».
إلّا أن النفط يظلّ محور اهتمام المراقبين والمعنيّين، وخصوصاً «توتال»، التي تستخرج ما يعادل ٢٢ ألف برميل يومياً من الحقول الإيرانيّة. ويرون وراء الضغوط عليها «يد أميركا». وقد عارض دو مارغوري أكثر من مرّة «عقوبات اقتصادية على إيران تمنعها من دفع ديونها»، ولوّح بإمكان ارتفاع سعر برميل النفط إذا طُبّقت عقوبات جديدة، مشيراً إلى أنّ على شركات النفط «أن تذهب لتأتي بالنفط أينما كان».
ولم يفت المراقبين ما صرّح به دو مارغوري في سياق انتقاده لتصريحات المسؤولين الفرنسيين، حين تساءل: «إذا ما كان على شركة مثل شركتنا أن تستمع إلى هذه الدول التي تقرّر ما هو الخير وما هو الشر فأين نصبح؟».