باريس ــ بسّام الطيارة
بعد 5 أشهر على وصوله إلى قصر الإليزيه، تلوح في أفق عهد نيكولا ساركوزي فضيحة مالية كبرى، قد لا تمسّه مباشرة، إلّا أنّها تطال بشكل مباشر صديقه المقرّب، أرنو لاغاردير، وهو أحد رئيسي مجلس إدارة مجموعة الدفاع والطيران الأوروبية «أي إيه دي أس»، التي تملك الحكومة الفرنسية ١٥ في المئة من أسهمها، إضافة إلى مسؤوليّة وزير المال في حكومته الحاليّة، تييري بروتون.
فسلطات المراقبة في بورصة باريس تشتبه في أن العديد من مسؤولي المجموعة قد باعوا، في مطلع العام الماضي، كميّات كبيرة من أسهمها قبل مدّة قصيرة من إعلان تأخير في برنامج تصنيع طائرتها الجديدة العملاقة «إيرباص أي ٣٨٠». وكان هذا الإعلان قد سبّب انهيار أسعار أسهم الشركة في بورصات العالم.
وتدور مفاصل الفضيحة، حول قيام القيّمين على إدارة الشركة، وبينهم لاغاردير، ببيع أسهمهم بالسعر المرتفع، فيما تشير كل التسريبات إلى أنّهم «لا يمكن ألّا يكونوا على اطّلاع مسبق بالعراقيل في سلسلة التصنيع وتوقّع انهيار الأسعار».
وتشير بعض الشبهات إلى تواطؤ بعض الجهات السياسية آنذاك في «تسهيل» هذه العملية عن طريق الضغط على المؤسسة المالية الحكومية، «صندوق الإيداعات»، الذي يعتبر «اليد الماليّة للدولة»، لشراء كميّة من هذه الحصص وتحمّل الخسارة التي نتجت من تراجع الأسعار. ومن هنا تتّجه أنظار الاتهام نحو وزير الماليّة السابق، المسؤول المباشر عن «صندوق الإيداعات»، تييري بروتون.
وقد ظهرت في الصحف الفرنسية أخيرا صورة عن محضر لإحدى جلسات لجنة المراقبة، تناقض تصريحات بروتون. ويفيد المحضر بأنّ «الدولة وافقت على شراء الحصص المطروحة للبيع»، وهو ما نفاه مراراً الوزير.
وتوقّع عدد من المراقبين أن تتضاعف انعكاسات هذه الفضيحة التي يُنتظر أن تتطوّر بعدما فتحت النيابة العامّة تحقيقاً بناء على توصية لجنة مراقبة البورصة. وكان لغط كبير قد أثير حول موقف ساركوزي من الاتهامات التي تحوم حول بلاغاردير نظراً لعلاقة الصداقة التي تربط بين الاثنين. إلّا أن سيّد الإليزيه دخل للمرّة الأولى على الخط، مطالباً «بكلّ الحقيقة» المتعلّقة بالملفّ. ورصد بعضهم الإشارة الأولى إلى إمكان «تخلي ساركوزي عن شقيقه»، وهو الوصف الذي يعطيه لصاحب الإمبراطورية الصحافية والصناعي الكبير. ويرون أنّ قرار وزيرة الاقتصاد والمال، كريستين لاغارد، إجراء تحقيق داخلي يشمل أنشطة وزارتها في ما يتصل بالمجموعة الأوروبية منذ نهاية عام ٢٠٠٥ حتى نهاية حزيران عام ٢٠٠٦، لا يمكن أن يكون قد صدر من دون ضوء أخضر من الإليزيه، وهو إشارة إلى تضييق حلقة الاتهام حول مسؤولية بروتون، ما يمكن التحضير لتغيير وزاري كان ساركوزي قد رفض الدخول في تفاصيله قبل شهر.
وتطالب أحزاب المعارضة بقوّة بتشكيل لجنة نيابية، إلى جانب التحقيقات القضائية، التي وصفها المرشّح السابق للرئاسة، فرانسوا بايرو، بأنّها «فضيحة دولة». وانضمّ بعض نواب الحزب الحاكم إلى الحملة، حيث طالب جان ألتروي بالكشف عن الزوايا الغامضة الكامنة وراء شراء الدولة لأسهم فقدت ما يزيد على ٢٠ في المئة من قيمتها. وانتقد بشكل عام «طرق تسويق أجهزة الدولة»، وهو ما دفع الرئيس للخروج من صمته الذي رافق تصاعد ضجيج الفضيحة.
ويتساءل المراقبون إلى أيّ حدّ سيبقى الرئيس بعيداً عن «حلقة الدفاع الأولى عن صديقه»، فيما تُطرح أسئلة عن «حلبة الانتقام» من موظّفي الدولة الكبار في العهد السابق ووضعهم في واجهة الاتهام، وخصوصاً مدير عام «صندوق الإيداعات»، أوغوستان رومانو، الذي اشترى لحساب الصندوق الأسهم، وكان سابقاً سكرتير الإليزيه في عهد الرئيس جاك شيراك.