بول الأشقر
حقّق مؤيدو معاهدة التجارة الحرة مع الولايات المتحدة في كوستاريكا فوزاً ضئيلاً في الاستفتاء الذي جرى الأحد، إذ نال معسكر الـ«نعم»، الذي تقدمه الرئيس أوسكار أرياس، 51.57 في المئة من الأصوات، فيما نال معارضو الاتفاق على أكثر من 48 في المئة.
وهي المرة الأولى التي تلجأ فيها كوستاريكا، أعرق ديموقراطية في أميركا الوسطى، إلى آلية الاستفتاء، في محاولة منها لتخطي الانقسام الحاد في المجتمع. ولدى إعلان النتائج، شدّد الرئيس أرياس على أن قرار الشعب «مقدّس»، فيما تحفّظ زعماء المعارضة، وفي مقدمتهم أوتون سوليس، مطالبين بإعادة فرز الأصوات.
وأعلن بعض نواب الـ«لا» أنهم لن يصوتوا على القوانين التكميلية المحتّم إقرارها قبل شهر آذار لتدخل المعاهدة حيز التنفيذ. وهذه القوانين التكميلية هي جزء من الخلاف، إذ إنها تفترض خصخصة المواصلات وشبكات الضمان الاجتماعي.
ويرى أنصار المعاهدة فيها الخيار الوحيد المتاح كي لا تتهمّش كوستاريكا وتبتعد عنها الاستثمارات وفرص العمل، فيما أخصامها يرون فيها تهديداً للزراعة ولأسس دولة الرعاية التي ميّزت دائماً تلك الدولة، التي عرفت بـ «سويسرا أميركا الوسطى».
وتركيبة كوستاريكا، المؤلّفة تاريخياً من مزارعين صغار، والمتجانسة عرقياً، سمحت لها بتقليص الفقر إلى مستويات مقبولة وبناء دولة رعاية اجتماعية ومجتمع طبقات وسطى، جعلتها نموذجاً لكل جيرانها.
في التسعينات، وبسبب تدني أسعار القهوة والموز في الأسواق العالمية، بدأت تظهر حدود «المعجزة الاقتصادية الزراعية». فصار لزاماً عليها إيجاد موارد جديدة وفرص عمل جديدة. وقد بحثت عنها في السياحة وفي تقديم تسهيلات ضرائبية للاستثمارات الأجنبية، وتحديداً في مجال صناعة الكمبيوتر وتركيبه.
للأسباب هذه، بقيت كوستاريكا نوعاً من «أميركا مصغّرة» بالنسبة إلى جيرانها، إذ إنها البلد الوحيد، إضافة إلى الولايات المتحدة، التي يقصدها مهاجرو أميركا الوسطى بحثاً عن فرص العمل. ولذلك كان مصير الاستفتاء مهماً، والولايات المتحدة تراهن على كوستاريكا لتحويلها إلى قطارة السوق الحرة في أميركا الوسطى. ويرى بعض المراقبين أن الضغط التهويلي الذي لجأت إليه الولايات المتحدة في الأسبوع الأخير للتحذير من الآثار المحتملة لفوز الـ «لا» في الاستفتاء قد يكون أدى دوراً حاسماً بالنسبة إلى النتائج التي خرجت من الصناديق.