strong>حسن شقراني
السخرية التي طبعت تعليق الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الأب على «الحماسة البيئيّة» التي تمتّع بها آل غور خلال الانتخابات الرئاسيّة عام 1992، تحوّلت بعد عقد ونيّف إلى نقيضها: تقدير عالمي لنائب بيل كلينتون خلال ولايتيه في البيت الأبيض، ومن ثمّ جائزة «نوبل» للسلام تقديراً لمحاكاته سيناريوهات كارثيّة قد تحكم مستقبل الأرض بفعل الاحتباس الحراري، على اعتبار أنها «خير خطوة لتوحيد الشعوب حول قضيّة قد تؤمّن مدخلاً للسلام».
الصحف الأميركيّة اعتبرت الجائزة «تبرئة» لغور، وإلغاءً للتشكيك الذي رافق حملته المتعلّقة بخطر انبعاث الغازات الحارّة، وخصوصاً ثاني أوكسيد الكربون، وقيّمت هذا النصر في إطار إدانة الرئيس الأميركي جورج بوش، الذي لم يعرب منذ بداية ولايته، عن استعداد حقيقي لمكافحة ارتفاع حرارة الكوكب.
«غور ضدّ بوش» كان عنوان المعركة الرئاسيّة عام 2001. والانتخابات التي أنهت «السباق الطويل» اعتبرت الأكثر جدليّة في تاريخ الولايات المتّحدة. وقتها كان السياسي الديموقراطي في ذروة الإنجاز، بعدما طبع عهدي كلينتون ارتفاع في المؤشّرات الإيجابيّة المتعلّقة بالسياسات الاقتصاديّة الاجتماعيّة. والنتيجة جاءت، بعد حسم المحكمة الفدراليّة العليا النقاش حول الأصوات في ولاية فلوريدا، لمصلحة مرشّح الجمهوريّين، ما لم يتح الفرصة لغور من أجل ترجمة رؤيته وهواجسه من المخاطر البيئيّة، التي يُعتبر رائداً بين السياسيّين في التنبّه لها. إذ تشير صحيفة «كونكورد مونيتور» إلى جهوده في هذا المجال منذ أواخر سبعينيّات القرن الماضي.
صاحب «اعتداء على المنطق» و«حقيقة غير ملائمة»، الذي انتقل إلى الشاشة الفضيّة، بدأ حياته السياسيّة عام 1976 عندما حجز مقعداً في مجلس النوّاب عن ولاية تينيسي، متخلّياً عن نيل شهادة في الحقوق. بقي في هذا المنصب 3 دورات، إلى حين انتخابه عضواً في مجلس الشيوخ عام 1984، وهو المنصب الذي بقي فيه حتى عام 1993. إلّا أنّ «الحالة» التي شكّلها بموازاة، جهود «الحزب الديموقراطي» لتبيان عيوب الإدارة الأميركيّة، ودلالة منحه الجائزة تشكّل «مقياساً لمدى سوء سمعة بوش» حسبما علّق جوناثان شي في صحيفة «لوس أنجيليس تايمز».
وبعيداً عن الطابع الإنساني والبيئي لـ«المعركة ضدّ الاحتباس الحراري»، يمكن وضع جهود غور، الذي يشير من باب التهكّم إلى شخصه بأنّه «الرئيس المقبل السابق للولايات المتّحدة الأميركيّة»، في خانة المساعي الموازية لإبقاء صورته على الساحة السياسيّة الداخليّة، وخصوصاً أنّه لم يحسم بعد مسألة ترشّحه لنيل تسمية «الديموقراطي» إلى الانتخابات الرئاسيّة العام المقبل.
فالوزير الفرنسي السابق، الناشط في حقل المناخ، كلود أليغري، رفض قرار الأكاديميّة الملكيّة السويديّة للعلوم، واعتبر منح جائزة «نوبل» إلى غور للتأثير في السياسة الأميركيّة الداخليّة، على قاعدة أنّ فيلم «حقيقة غير ملائمة» يحوي الكثير من «التفاهات».
ولعلّ عدم حسم غور لتقديم ترشحه عن «الديموقراطي» إلى الرئاسة، حتّى الآن، قد يغلّب الطابع السياسي لتأثير الجائزة. فبحسب استطلاع نشرته صحيفة «غارديان» البريطانيّة في حزيران الماضي، غور سيسرق، في حال ترشّحه، نحو 29 في المئة من التأييد الذي تحظى به السيناتور هيلاري كلينتون في صفوف «الديموقراطي». وإذا أخذت بعين الاعتبار «عيوب المرشّحين الآخرين» فإنّ نسبة تأييده سترتقي إلى 32 في المئة، وستجعله المسيطر على الشارع الديموقراطي بعدما كان استطلاع أجرته جامعة «كوينيبياك» في وقت سابق من العام الجاري، قد منحه 12 في المئة من الأصوات في السباق داخل «الديموقراطي» بعد كلينتون وباراك أوباما.
مواقف غور من القضايا الدوليّة، امتدّت من المعارضة لحرب فييتنام إلى انتقاد الدعم الأميركي للرئيس العراقي الراحل صدّام حسين في ثمانينيّات القرن الماضي. وسعيه الفاشل لنيل ترشيح «الديموقراطي» إلى الانتخابات الرئاسيّة عام 1988 (فاز به حينها مايكل دوكاكيس) استغلّه أيضاً ليشكّل حالة موازية نتج عنها تقديم «مشروع قانون غور»، الذي تبنّاه الكونغرس عام 1991 لتحديد آليّة التعاطي القانوني مع توسّع شبكة الإنترنت والعالم الافتراضي.
«نوبل للسلام» نالها غور الجمعة الماضي بشراكة مع «اللجنة الدوليّة حول التغيّر المناخي» التابعة للأمم المتّحدة، والتي تضمّ نحو 3 آلاف عالم. وأعرب خلال خطاب التسلّم عن نياته التبرّع بعائدات الجائزة إلى «الائتلاف من أجل حماية المناخ»، وهو جمعيّة لا تبغي الربح إنّما «تغيير الرأي العام الأميركي» ونظرته إلى ظاهرة الاحتباس الحراري.
هل يعتبر اقتناص غور «نوبل» رفضاً «للرئيس فاقد الشعبيّة» جورج بوش، على حدّ تعبير صحيفة «واشنطن بوست». وهل يمثّل خطوة على طريق العودة إلى السباق نحو البيت الأبيض؟
غور لم يحسم المسألة بعد، وفرص نجوميته لا تزال متاحة، ولا سيما في المؤتمر الدولي حول المناخ الذي ستستضيفه بالي الشهر المقبل.