strong>أردوغان يستبعد تدخّلاً عسكريّاً وشيكاً ويحذّر «العاجزين عن النأي بأنفسهم عن الإرهاب»
استنفرت الحكومة العراقيّة أمس كل قواها الدبلوماسيّة لتفادي التوغّل العسكري التركي داخل أراضيها الشماليّة، في وقت لا تزال اللهجة التركيّة فيه تتأرجح بين التهديد والتهدئة، فيما يستعدّ البرلمان التركي للتصويت اليوم على إعطاء الجيش تفويضاً للاجتياح.
ومعروف أنّ هذا التصويت تمّ تأجيله مرات عديدة. وفسّرت مصادر متعددة هذا التأجيل بأنه تمديد تركي لفترة المباحثات والمخارج السلمية للأزمة مع حزب العمال الكردستاني، قبل أن تكون مضطرّة للجوء إلى الحل العسكري، الذي تعارضه كل من واشنطن وموسكو وباريس، وخصوصاً بروكسل، مقر الاتحاد الأوروبي الذي تطمح تركيا لأن تصبح قريباً عضواً كاملاً فيه.
وكثّفت حكومة نوري المالكي أمس اتصالاتها لاستيعاب التوتّر ودعت إلى قيام «حوار عاجل» مع تركيا التي أرسلت اليها نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي. ومعروف أنّ العرف الدبلوماسي يقضي أن يتولّى وزير الخارجية مهمات كهذه، غير أنّ هوشيار زيباري الكردي قد يكون غير مرحّب به في أنقرة، خصوصاً أنه ينتمي إلى الحزب الديموقراطي الكردستاني ويرتبط بصلة قربى مع رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البرزاني الذي تتّهمه أنقرة بدعم مقاتلي «العمال الكردستاني» وتسليحهم. وأعلن المالكي، في بيان أمس، أنّ حكومته سترسل وفداً أمنياً وسياسياً رفيع المستوى إلى تركيا، مشدّداً على رفضه «الحلول العسكريّة صيغةً للتعامل بين البلدين مع إدراكنا وتفهّمنا للقلق لدى الأصدقاء الأتراك». وأكد أهمية تفعيل عمل اللجنة الثلاثية العراقية ـــــ الأميركية ـــــ التركية المولجة مراقبة الأوضاع على الحدود المشترَكة، ومباشرة العمل بالاتفاقات الأمنية الموقّعة بين البلدين.
كذلك جدّد المالكي التزامه بمنع النشاطات «الإرهابية» لحزب العمال الكردستاني ضدّ تركيا. وكان بيان حكومي آخر قد أعلن في وقت سابق أمس، أنّ المالكي «دعا إلى عقد اجتماع لخلية أزمة ألّفها لمناقشة تطورات الأوضاع على الحدود العراقية ـــــ التركية». وأبدى البيان الحكومي استعداد بغداد لإجراء حوار عاجل مع كبار المسؤولين الأتراك «لإعطاء الضمانات التي تنظّم العلاقة بين الدولتين الجارتين». وجاء موقف المالكي في وقت أعلن فيه البرلمان العراقي استعداده لعقد جلسة خاصة لمناقشة «الأزمة».
وفي السياق، وصل الهاشمي إلى أنقرة، حيث التقى رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان والرئيس عبد الله غول في محاولة لإقناعهما بتجنّب مهاجمة كردستان العراق. ونقلت قناة «أن تي في» التركيّة عن الهاشمي أمله أن يتمكّن من إقناع القادة الأتراك بألا يسمحوا بالاجتياح العسكري.
وكشف مصدر في مكتب الهاشمي عن أنّ المساعي التي يبذلها لنزع فتيل الأزمة «تأتي بطلب من بعض المسؤولين الأكراد وتحديداً مسعود البرزاني» لحلّ المشكلة قبل تفاقمها. وقال الهاشمي «سأتحرك في كل ما يمكن أن يسهم في مصلحة بلدي، سواء جاءت هذه الدعوة بمبادرة من أحد أو أنها جاءت بمبادرة شخصية من عندي».
من جهته، كشف أردوغان عن أن الحصول على موافقة البرلمان المنتظَرة اليوم على شنّ هجوم على المقاتلين الأكراد شمال العراق، لا تعني بالضرورة أن هناك توغّلاً عسكرياً وشيكاً سيحصل. واشترط أردوغان على حكومة بغداد وأكراد العراق التحرّك ضدّ «العمّال الكردستاني» لتجنّب تداعيات تدخل عسكري في هذه المنطقة.
وقال أردوغان، خلال اجتماع للكتلة النيابية لحزبه «العدالة والتنمية»، «عليهم أن يأخذوا موقفاً واضحاً لما فيه مصلحة الجميع»، داعياً الفصائل الكردية في العراق إلى «التعاون» مع تركيا ضدّ هذا الحزب. وأضاف «على القيادة المركزية العراقية وقيادة منطقة الحكم الذاتي في شمال العراق أن تبنيا سياجاً سميكاً بينهما وبين المنظمة الإرهابية» في إشارة إلى حزب العمّال.
وأكد أردوغان أنّ «العاجزين عن النأي بأنفسهم عن الإرهاب لن يكونوا بمنأى عن الآثار السلبية لعمليات مكافحة الإرهاب»، مشدّداً على «نفاد صبر تركيا حيال الذين يشجّعون ويحمّون» عناصر الحزب الكردي، وموضحاً أنّ ضوءاً أخضر من النواب لن يؤدي إلى هجوم تركي فوري.
وقالت الصحف التركية إن وزير الخارجية علي باباجان سيبدأ اليوم جولة على عدد من دول المنطقة تشمل مصر ولبنان في محاولة لشرح الموقف التركي من الأزمة مع الأكراد وتجنُّب صدور ردود فعل عربية متشدّدة ضدّ أي تدخّل عسكري تركي محتمل.
إلى ذلك، تواصلت أمس أعمال الحشد العسكري التركي على الحدود، فيما تفقّد قائد القوات البرية الجنرال ايلكر باسبوغ الوحدات المتمركزة على الحدود التركية في إقليم سيرناك.
(الأخبار، أ ب، أ ف ب،
رويترز، أ ف ب، يو بي آي)