حسام كنفاني
كان من المفترض أن تكون جولة وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس ممهدة للقاء الدولي للسلام، الذي لا يزال الغموض يلف موعد وإمكان انعقاده، فإذا بها تسهم في مزيد من التعقيد في الطريق إلى ما تكاد تكون الفرصة الأخيرة للسلام في الشرق الأوسط، ولا سيما أن احتمالات الفشل هذه المرة تنذر بتوتّر وانفجار يتخطى الأراضي الفلسطينية.
الوزيرة الأميركية لم تأت إلى إسرائيل والأراضي الفلسطينية لتقريب وجهات النظر وسد الفجوات بين الأطراف، كما روّجت قبل وصولها. فالاتصالات واللقاءات والتصريحات التي رافقت لقاءاتها، وضعت الزيارة في خانة تجريع الفلسطينيين سمّ الشروط الإسرائيلية، عبر المزيد من الوعود والتعهدات بـ«الجدية والجوهرية»، التي يبدو أنها ستكون أبعد ما يكون عن لقاء السلام المرتقب، ولا سيما أن سقفه لا ينفك ينخفض إلى درجة أنه سيصل في مرحلة ما خلال الشهرين المقبلين إلى «اللقاء لمجرد اللقاء».
قبل وصول الراعية الأميركية، كان الحديث يدور عن بيان مشترك يعرض على اللقاء الدولي، وهو ما يمثّل في الأساس تنازلاً فلسطينياً عما كان الفلسطينيون يطالبون به مع بداية الحديث عن المؤتمر الدولي. إذ إن الرئيس محمود عباس وطاقمه التفاوضي كانوا يمنّون النفس باتفاق شامل يعرض على المؤتمر لتصديقه، وهو ما أحبطه الرفض الإسرائيلي، فجرى القبول بالبيان المشترك.
لكن يبدو أن البيان المشترك لم يعد مضموناً، ولا سيما أن رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت استقبل الوزيرة الأميركية في بداية جولتها باعتبار أن البيان «ليس شرطاً» لعقد المؤتمر، وهو ما وافقت عليه رايس ضمناً، عندما قللت من إمكان «إحداث خرق» في جولتها الشرق أوسطية، وهو ما حدث فعلاً، إذ إن زيارات كوندي ولقاءاتها لم تفرز سوى التصاق أميركي في الموقف الإسرائيلي، ظهر جلياً في دعم الرفض الإسرائيلي للجدول الزمني لمفاوضات الوضع النهائي، الذي وضعه الفلسطينيون والعرب شرطاً مسبقاً للدخول مجدداً في المسار التفاوضي.
هذا الرفض يعني أن المماطلة والتسويف سيكونان غير نهائيين، و«الدولة» التي تتحدث عنها رايس منذ وصولها إلى الأراضي الفلسطينية لن تقام في القريب العاجل أو المدى المنظور، ومن الممكن ألا تقام خلال ولاية الرئيس جورج بوش الحالية، وبالتالي لن يكون اللقاء، وما يليه، أكثر من تقطيع للوقت وملهاة لتمرير مخططات إقليمية أخرى تتصل بالوضع في العراق وأزمة الملف النووي الإيراني.
أمام هذا التسويف، سيكون على الفلسطينيين انتظار الإدارة الجديدة، وربما البداية من الصفر، كما حدث مع بداية ولاية بوش الأولى. فكل ما جرى الوصول إليه في كامب دايفيد وطابا خلال عهد بيل كلينتون، لم يجد له مكاناً في البداية الجديدة للمفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
يمكن اختصار جولة رايس بمجموعة لاءات أطلقتها من القدس المحتلة ورام الله والقاهرة؛ لا اختراق متوقعاً، لا جدول زمنياً، لا اتفاق سلام قريباً، إضافة إلى لا بحث لمرتفعات الجولان السورية المحتلة في اللقاء الدولي. وبالتالي، فإن الإدارة الأميركية تقطع الطريق على إشراك دمشق في المؤتمر، وهو ما يعدّ أيضاً «لا» للمطالب العربية بشمولية الملفات المفترض أن تطرح في اللقاء الدولي.
أمام هذه اللاءات والتماهي الأميركي الواضح مع شروط التفاوض الإسرائيلية، من المفترض إعادة طرح السؤال: ما جدوى المؤتمر الدولي، وأي نتائج يتوقعها العرب المشاركون؟