strong> رفع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من حدّة خطاب المواجهة مع الولايات المتّحدة أمس، فأعلن أنّ احتلال العراق هو «ضدّ شعبه»، محذّراً واشنطن من أنّ روسيا تملك «ما يكفي من القوّة والوسائل» للدفاع عن مواردها ومصالحها «في الداخل والخارج»، وأنّها «ستتّخذ خطوات» في مسألة الدرع الصاروخيّة الأميركية المنوي نشرها في أوروبا الشرقيّة، إذا لم تؤخذ هواجسها في الاعتبار
انتقد فلاديمير بوتين أمس، خلال جلسة «خط الاتصال المباشر مع الرئيس» التقليديّة السنويّة بينه وبين الشعب الروسي، الغزو الأميركي للعراق. وقال إنّ هذه التجربة تثبت حاجة الدول الغنية بالموارد مثل روسيا إلى جيش قوي يدافع عنها، مشدّداً على أنّ «روسيا ليست العراق، لأنّها قوية بدرجة تمكنها من حماية مصالحها داخل حدودها القومية، وأيضاً في مناطق أخرى من العالم»، وأنّ «ما نفعله لنزيد قدراتنا الدفاعية هو قرار صائب وسنمضي قدماً فيه».
وطالب سيّد الكرملين واشنطن بتحديد موعد لسحب قوّاتها من بلاد الرافدين. وقال: «أتفق مع الرئيس الأميركي (جورج بوش)، فهو محقّ عندما يقول إنّ القوة الدولية يجب ألّا تخرج إلا عندما تكون الزعامة في العراق قادرة على إبقاء الوضع تحت السيطرة بنفسها»، إلّا أنّ «النقطة التي نختلف بشأنها هي اعتقاده بأنه يجب عدم تحديد موعد للانسحاب». وأوضح أنّه «من غير المقبول على الإطلاق إبقاء قوة الاحتلال في العراق إلى الأبد»، مشيراً إلى أنّ عدم تحديد موعد نهائي للانسحاب «سيعني أن القيادة العراقية لن تسرع في مهمة تطوير القوات المسلّحة وأجهزة حفظ النظام والقانون»، معلّلاً ذلك بأن الحكومة العراقية ستشعر عندها بأنها «تحت مظلة الحماية الأميركية».
وسارع البيت الأبيض إلى رفض انتقادات بوتين، وقالت المتّحدثة باسمه، دانا بيرينو، «بدأنا نلاحظ ميولاً مؤاتية» في العراق، مشيرةً إلى أنّ تقدّماً على الصعد الاقتصاديّة والسياسيّة والأمنيّة يتحقّق.
وردّاً على سؤال، أشار بوتين إلى تعليقات أطلقتها في الماضي وزيرة الخارجيّة الأميركيّة السابقة، مادلين أولبرايت، في شأن كيف أنّ الموارد الطبيعيّة لسيبيريا هي أكبر من أن تكون ملكاً لبلد واحد، مثيرةً أطماع الغرب في روسيا. وقال: «أعرف أنّ مثل هذه الأفكار تدور في رؤوس بعض السياسيّين، وأعتقد أنّها نوع من الإثارة السياسية التي قد تعطي البعض متعة، لكنها لن تؤدي إلى شيء. وأفضل مثال على ذلك (احتلال) العراق». وأضاف: «ماذا جرى (عند احتلال العراق)؟ لقد رأينا ذلك جيداً، تعلّموا (الأميركيّون) كيفية إطلاق النار، غير أنّهم لم ينجحوا حتى الآن في فرض النظام، ولديهم فرص ضعيفة للنجاح في ذلك، لأنّ محاربة شعب، هدف لا مستقبل له».
وفي سياق استعراض عضلات المجمع العسكري الروسي، أعلن بوتين أنّ موسكو بصدد إعداد أنظمة صواريخ نووية «جديدة بالكامل». وقال إنّ «تكنولوجيا الصواريخ ستتطوّر، مع مجمّعات استراتيجية جديدة بالكامل»، موضحاً أنّ الأمر لا يعني فقط صواريخ «توبول ـــــ أم»، ذات الرؤوس المتعددة. ولفت إلى أنّ روسيا ستبدأ العام المقبل بتصنيع غواصات نووية جديدة، بعدما شهد سلاح الجوّ تطويراً استراتيجياً مع انضمام قاذفات جديدة من نوع «تي يو ـــــ 160».
وتزامن حديث الرئيس الروسي مع نجاح تجربة إطلاق صاروخ استراتيجي متحرّك من نوع «توبول آراس ـــــ 12 أم» («أس أس ـــــ 25 سيكلس» بحسب تصنيف «حلف شمالي الأطلسي»). ومن المقرّر أن تكوِّن صواريخ «توبول» جزءاً من ترسانة القتال الروسية حتى عام 2015. وبحلول ذلك التاريخ، سيكون قد جرى استبدالها تدريجاً بصواريخ «توبول أم» الأكثر تطوّراً، بحسب وكالة «إيتار ـــــ تاس».
وتطرّق بوتين إلى الدرع الصاروخيّة الأميركيّة المنوي نشرها في تشيكيا وبولندا، وقال إنّ الأميركيّين «يولون بالفعل قدراً من التفكير للمقترحات التي تقدمنا بها (استخدام مشترك للقاعدة العسكريّة في غابالا الأذريّة) ويتطلعون إلى حلّ المشاكل وسبل تخفيف أوجه قلقنا». غير أنّه حذّر من أن موسكو ستّتخذ خطوات من جانبها، إن لم تؤخذ مصالحها في الاعتبار. وقال: «يمكنني أن أؤكّد لكم أنه يجري إعداد مثل هذه الخطوات، وأننا سنتخذها، أما أين سنضع وماذا؟ فهذا أمر متروك للمتخصّصين في أركان الجيش الروسي».
وعن كيفيّة التعاطي مع الملفّ النووي الإيراني، رأى بوتين أنّ الحوار المباشر هو الطريقة الأفضل للحلّ، عوضاً عن التهديد باللجوء إلى القوّة العسكرية أو فرض عقوبات، وذلك بعد يومين على انعقاد قمّة الدول الخمس المطلّة على بحر قزوين، في طهران، حيث شدّد زعماء تركمانستان وإيران وروسيا وأذربيجان وكازاخستان، على وحدتهم في الدفاع عن أيّ دولة عضو إذا هوجمت.
وفي شأن أداء الاقتصاد الروسي، امتدح بوتين نسبة النمو القوي والمستمر وارتفاع مستوى المعيشة. وأقرّ في الجلسة التي سجّل فيها أكثر من مليون مواطن أسماءهم للإدلاء بأسئلتهم، بأنّ التضخم، الذي وصل حتى الآن هذا العام إلى نسبة 8.5 في المئة، زاد على الهدف الذي حددته الحكومة، غير أنّه ألقى باللوم في ذلك على عوامل اقتصادية عالمية، منها خفض الدعم الأوروبي للقطاع الزراعي، والإقبال على الوقود الحيوي. ولفت إلى أنّ أزمة السكّان في روسيا بدأت تخفّ، وأن معدل المواليد حقق هذا العام أعلى رقم قياسي منذ 15 عاماً، وأنّ معدل الوفيات انخفض إلى أدنى مستوى له منذ عام 1999 .
ولفت بوتين إلى أن الحكومة الروسية «تعتزم توسيع دعمها لتعليم اللغة الروسية في الخارج»، وأوضح أنّه تم إنشاء «منظمة خاصّة» أُطلق عليها اسم «العالم الروسي» لتتولّى مهمات دعم تعليم وتدريس اللغة الروسية في الخارج، وخصوصاً في بلدان الاتحاد السوفياتي السابق.
وعن الأزمة السياسيّة التي تعصف بأوكرانيا، أبدى الرئيس الروسي استعداده للتعاون مع الحكومة الجديدة التي ستتألف في كييف، بغض النظر عن اتجاهاتها السياسية، بعدما اتّضح أنّ تحالف القوى «البرتقاليّة» المناوئ لموسكو، سيؤلّف الحكومة الجديدة برئاسة يوليا تيموتشينكو.
(أ ب، أ ف ب، يو بي آي)