strong>«الاتّحاد الأوروبي لم يعد متعثّراً»، هذا ما أجمع عليه زعماء الدول الـ 27 المنضوية تحت لوائه، بعد التصديق على «معاهدة الإصلاح» في ليشبونة أوّل من أمس، التي ستتيح له المضي قدماً على شاكلة جسم سياسي ليّن تميزه وحدة على صعيد العلاقات الدوليّة. إلّا أنّ عقبات أخرى لا تزال تعرقل اكتمال تشكّله، ليس أقلّها «الصراع على الصلاحيّات»
بعد عامين من بدء «مرحلة العقم» في بلورة الآفاق لتطوّر الاتّحاد الأوروبي، توصّل زعماء القارّة العجوز خلال قمّتهم في ليشبونة إلى توافق على المعاهدة الأوروبيّة المبتكرة لاستبدال «الدستور الأوروبي»، الذي عرقلت إقراره «لاءان» شعبيّتان في فرنسا وهولندا عام 2005.
وجاء الاتفاق بشأن «معاهدة الإصلاح» خلال اجتماع استمرّ ساعات، ليل أوّل من أمس، لرؤساء حكومات ودول أعضاء التكتل الأوروبي، شهد الكثير من التجاذبات. وفي ختامه، قال رئيس الوزراء البرتغالي، جوزيه سوكراتس، الذي تتولّى بلاده الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي، إنّ «هذا نصر لأوروبا، وسنخرج من طريق مغلق لأنّه لم يعد لدينا أزمة مؤسّساتيّة».
وتهدف المعاهدة، التي استثنت فرض نشيد أوروبي موحّد وعلَم موحّد، إلى ترشيد عملية صنع القرار داخل الاتحاد الأوروبي بعد توسّعه الكبير عام 2004 بضمّ عشرة أعضاء جدد إلى التكتل الذي تأسس قبل نحو 50 عاماً. كذلك تصبو إلى تعزيز النفوذ الدبلوماسي للاتحاد على الصعيد الدولي من خلال تبسيط استراتيجيته في التعامل مع الشركاء الدوليين. وتنصّ على استحداث مناصب جديدة مثل رئيس المجلس الأوروبي، الذي سيمثّل حكومات الدول الأعضاء في الاتحاد، وممثّل أعلى للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية يكون مسؤولاً عن السياسة الخارجية للاتحاد، الأمر الذي من شأنه ترشيد إدارة علاقات التكتل مع العالم الخارجي.
وفي السياق، رأى رئيس الوزراء البريطاني غوردن براون أمس أنّ سلفه طوني بلير سيكون «مرشّحاً عظيماً» لرئاسة الاتّحاد، فيما انتقدت الصحيفة البريطانيّة المحافظة، «صان»، «تسليمه قوّة بريطانيا إلى أوروبا خلال العشاء»، في إشارة إلى خيانة يهوذا الإسخريوطي لعيسى المسيح بعد «العشاء الأخير». وذلك رغم تمسّك زعيم حزب «العمّال» بموقف بريطانيا الرافض للانضمام إلى الوحدة النقديّة، اليورو.
وحُلّت الأزمة بعد تقديم تنازلات لمطالب بولندا وإيطاليا، حيث تمّ إرضاء الأولى بتضمين آليّة تسمح لأقليّة من الدول الأعضاء بتأجيل تنفيذ قرارات الاتحاد الأوروبي في المعاهدة لتصبح ملزمة قانوناً، بعدما كان تحفّظ وارسو قد أدّى إلى تعطيل النقاش في القمّة الماضية التي رأستها المستشارة الألمانيّة أنجيلا ميركل في حزيران الماضي.
غير أنّ الرئيس البولندي ليخ كاتشينسكي، أبقى على احتمال ظهور خلالفات إلى حين إقرار المعاهدة رسمياً في 13 كانون الأوّل المقبل، حين تطرّق إلى نصيب كل دولة من مقاعد البرلمان الأوروبي، وقال إنّ ذلك «سيكون مثار نقاش في العديد من المحادثات التي ستجرى» إذ لم تتمّ مناقشة «نصيب الدول من مقاعد البرلمان حتى الآن»، وذلك رغم تصريحه بعد الاتّفاق مباشرة أنّ بولندا «حصلت على ما تريد».
وتلبية لمطلب رئيس حكومتها، رومانو برودي، مُنحت إيطاليا مقعداً إضافياً في البرلمان الأوروبي، ليصبح عدد نوّابها 73، وهو نفسه للنوّاب البريطانيّين، فيما انخفض العدد الإجمالي للمقاعد البرلمانيّة، من 785 مقعداً إلى 751 مقعداً. كذلك مُنحت النسما حقّ تحديد الطلّاب الأجانب، وبلغاريا حقّ لفظ كلمة العملة الأوروبيّة الموحّدة، الـ«يورو»، بأبجديّتها السيريليّة، بعد صراع مع «المصرف المركزي الأوروبي» في هذا الشأن.
وستدخل «معاهدة ليشبونة» حيّز التنفيذ في ربيع عام 2009، بعد قيام الدول الأعضاء بالتصديق عليها سواء من خلال التصويت داخل البرلمان أو إجراء استفتاء. والخيار الثاني ارتأت المضي فيه إيرلندا وحدها.
وفي تعليق على هذا «الإنجاز»، قال رئيس المفوّضيّة الأوروبيّة، الذراع التنفيذية للاتحاد، خوسيه مانويل باروزو، إنّ «هذه الاتفاقية تاريخية، وأوروبا بإمكانها الآن أن تدافع عن مصالحها في عصر العولمة».
ورغم أنّها ستجعل عملية اتخاذ القرارات أكثر سهولة، إلّا أنّ المعاهدة قد تثير عاصفة سياسية في الوقت الذي يتنافس فيه السياسيّون والدول الأعضاء على عدد محدود من المناصب الكبرى. وفي هذا الصدد، قال الخبير في «مركز قضايا السياسة الأوروبية»، بيوتر كاتشينسكي، «قد يكون هناك صراع على السلطة، ولن تتمّ الإجابة عن الكثير من الأسئلة إلّا عندما يُعرف الأفراد المرشّحون، وكيف سينظّمون أنفسهم في البيئة الجديدة؟».
كذلك لفت رئيس البرلمان الأوروبي، هانز غيرت بوتيرينغ، إلى أنّه «من المهم ألّا يكون هناك تنافس بين رؤساء المجلس الأوروبي والمفوّضية الأوروبية والمنسّق الأعلى للسياسة الخارجية والأمنية»، وذلك في ظلّ تقاسم السلطة حالياً بين البرلمان ومجلس رؤساء حكومات ودول الاتحاد والمفوضية. والمجلس الأوروبي هو الوحيد صاحب الحقّ في اقتراح قوانين.
وثمّة احتمال نشوب صراع على السلطة بين المفوّضية والمجلس نظراً لأنّ المنسّق الأعلى سيرأس اجتماعات وزراء خارجية الاتحاد، ويقدّم تقاريره إلى المجلس وسيكون بمثابة نائب لرئيس المفوضية.
وخلال اليوم الثاني من القمّة أمس، الذي تمحورت النقاشات فيه على المسائل الاقتصاديّة، خصوصاً أنّ أسواق أوروبا تأثّرت بشدّة في الفترة الأخيرة باضطرابات أسواق المال العالمية، أصدر براون وميركل والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بياناً مشتركاً أعربوا فيه عن ضرورة اتّخاذ قرار في آذار المقبل بخصوص ما إذا كانت هناك حاجة لمزيد من الإجراءات التنظيمية للسوق، من خلال «المزيد من الشفافية والصمود لأسواق المال».
وأعلنت مصادر أوروبيّة أنّ الاتّحاد سيعدّ «خطة عمل أوروبية» تتعلق بالصراع في منطقة الشرق الأوسط. وقال وزير الخارجية الألماني، فرانك فالتر شتاينماير، إنّ وزراء خارجية الاتحاد وافقوا على اقتراحه بهذا الشأن.
وينوي الاتحاد الاوروبي من خلال خطة العمل هذه المساهمة في عملية التقريب بين إسرائيل والفلسطينيين بالإضافة إلى بناء الأجهزة الأمنية والمؤسسات التعليمية للفلسطينيين، كذلك تشمل الخطّة دعم الاقتصاد الفلسطيني.
(أ ب، د ب أ، أ ف ب)