strong>في الوقت الذي كان العالم فيه ينتظر تصعيداً تركيّاً على الحدود مع العراق، جاء الحدث من المقلب الآخر، إذ قتل حزب العمّال الكردستاني ليل السبت الأحد، 12 جنديّاً تركيّاً على الأقلّ، ليرجّح احتمال الاجتياح التركي لشمال العراق، وخصوصاً أنّ الحكومة والجيش التركيّين سبق أن نالا التفويض البرلماني المطلوب

أعلنت رئاسة الأركان التركية أمس مقتل 12 جندياً وجرح 16 آخرين في اشتباكات، أدّت أيضاً إلى مصرع 32 مقاتلاً كردياً ليل السبت ـــــ الأحد، مشيرةً إلى أنّ المقاتلين الأكراد نصبوا كميناً استهدف دورية عسكرية قرب الحدود العراقية أعقبته معارك بين الطرفين.
إلا أن حزب العمّال الكردستاني أشار إلى أنّ العمليّة التي أودت بحياة الجنود الأتراك جاءت خلال توغّل للجيش التركي داخل الأراضي العراقيّة الشماليّة. وقال مسؤول العلاقات الخارجية في الحزب، عبد الرحمن الجادرجي، «حاولت القوّات التركية التسلّل إلى إقليم كردستان من منطقة هكاري وحدثت اشتباكات بين الطرفين، وتمكنّا من قتل عدد كبير منهم». وأعلن أنّ مقاتليه تمكّنوا من أسر عدد آخر من الجنود الأتراك، وهو ما نفاه وزير الدفاع التركي وجدي غونول.
وحتّى وقت متأخّر من مساء أمس، كان القتال على الحدود مستمرّاً بين الفريقين بدعم من مروحيّات التركيّة، إلى جانب قصف مدفعي طاول 11 منطقة على امتداد الحدود.
وفي السياق، جدّدت القيادة العسكرية لحزب «العمال الكردستاني»، في تصريحات نقلتها عنها وكالة «فرات» للأنباء التي تتّخذ من بلجيكا مقرّاً لها، التعهّد باستهداف خطوط أنابيب النفط إذا ما نفّذت القوات التركية وعيدها باجتياح العراق.
وفور إعلان نبأ مقتل الجنود الأتراك، ذكّر رئيس الحكومة التركيّة رجب طيّب أردوغان، لدى خروجه من قلم التصويت على الاستفتاء الشعبي في اسطنبول، بالتفويض الذي أصدره البرلمان التركي في الأسبوع الماضي. ورأى أنّ جميع الخيارات مفتوحة أمام بلاده، لكنّه شدّد في الوقت ذاته على أنّ «التروّي والتفكير الهادئ سيحدّدان طريقة الردّ المقبل لا الغضب وردّات الفعل». وختم بالقول «سنفعل كل ما يلزم فعله».
ورأى العديد من المعلقين أن تزامن توقيت العمليّة مع الاستفتاء الشعبي على التعديل الدستوري «رسالة من الأكراد». إذ رأى المعلق السياسي في صحيفة «راديكال» الليبرالية مراد يتكين أن «هذا الهجوم هو رسالة واضحة للغاية مفادها أن حزب العمّال الكردستاني غير مهتمّ بالمبادرات الديموقراطية في تركيا، وبالتالي، لا يمكن توقّع أن تظلّ تركيا صامتة إزاء مثل هذه الهجمات».
في المقابل، جدّد رئيس اقليم كردستان العراق مسعود البرزاني، بعد اجتماعه مع الرئيس العراقي جلال الطالباني أمس، تهديده بمواجهة أي اجتياح تركي. وشدّد على أنّ أكراد العراق لن يكونوا طرفاً في الصراع بين تركيا وحزب العمّال الكردستاني ما دامت المعارك خارج أراضي الإقليم.
ورداً على سؤال عما إذا كانت القيادة الكردية العراقية على استعداد لاعتبار حزب العمال الكردستاني منظّمة إرهابيّة، كما تطالب بذلك أنقرة، أجاب البرزاني «إذا اعتمدت تركيا حلاً سلمياً ورفضه حزب العمال، عندئذ سنصنّفها منظمة إرهابية، أمّا الآن فلن نفعل».
بدوره، رفض الطالباني طلب أردوغان تسليم عناصر الحزب الكردي لتركيا، واصفاً هذا الشرط بأنه «حلم لا يمكن أن يتحقّق». وخيّر مقاتلي الحزب الناشطين في بلاده، بين تسليم أسلحتهم والتحوّل إلى حزب سياسي، أو مغادرة الإقليم فوراً «لأنّ لدى العراق ما يكفي من المشاكل».
وفي خطابه المشترك مع البرزاني أمام الآلاف من المتظاهرين الأكراد في أربيل، قال الطالباني، باللغة الكرديّة، «نحن لن نسلّم رجلاً كردياً إلى تركيا، بل لن نسلّم حتى قطّة كردية».
وكشف الطالباني أنّه سيلتقي اليوم أو غداً وزير خارجية تركيا علي باباجان «لبحث القضية معه».
وفي بغداد، طالب مجلس النواب بالإجماع أمس بإخراج عناصر حزب العمال من الأراضي العراقية، وخوّل الحكومة العراقية باتخاذ الإجراءات اللازمة لإيقاف أنشطة هذا الحزب داخل الأراضي العراقية. كما دان البرلمان قرار البرلمان التركي الذي اتخذه يوم الأربعاء الماضي والذي فوّض من خلاله الحكومة والجيش التركيّين القيام بتوغّل عسكري داخل الأراضي العراقيّة.
وفي الإطار الدبلوماسي، اجتمع باباجان في جدّة مع نظيره السعودي سعود الفيصل، وذلك خلال زيارة لم يعلن عنها مسبّقاَ،ً ناقش خلالها المسؤولان تطوّرات الأوضاع على الحدود مع العراق، علماً أنّ جولة الوزير التركي شملت حتى الآن مصر ولبنان وسوريا. وكانت أنقرة قد نالت دعماً سوريّاً واضحاً من الرئيس بشّار الأسد لخططها العسكريّة ضدّ الأكراد، وهو ما أثار موجة من الانتقادات العراقيّة في اليومين الأخيرين، استوجبت توضيحاً سوريّاً أمس من وزير الإعلام محسن بلال الذي رأى أنّ الأسد قال إنه يفضّل الحلول السلميّة مع التشديد على حقّ أنقرة في الدفاع عن نفسها.
وفي السياق، رفضت إيران، على لسان المتحدّث باسم وزارة خارجيتها محمّد علي الحسيني، تقديم دعمها لعمليّة عسكرية في شمال العراق، ودعت إلى الحوار لحلّ هذه المشكلة.
وكرّر وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير موقف بلاده من أنه «لا حلّ عسكرياً» للنزاع، مبدياً «قلقه الكبير» لمقتل الجنود الأكراد. وقال «إنّني قلق جداً لأنّ الوضع خطير للغاية». ورأى أنّ «تفاقم التوتّر يحمل مخاطر جسيمة في منطقة تعاني أساساً انعدام الاستقرار».
(أ ب، أ ف ب، يو بي آي، رويترز، د ب أ)