strong>حسام كنفاني
تثير استقالة أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي لاريجاني العديد من الأسئلة عن خفايا ما يدور في البيت الداخلي الإيراني في ما يتعلق بالسياسة النووية وأسلوب إدارة هذا الملف في مراحله الدقيقة الحالية، مع الحديث المتصاعد عن عقوبات جديدة على الجمهورية الإسلامية

لا يمكن فصل استقالة علي لاريجاني، او إقالته بحسب بعض المحللين، عن التغييرات التي يجريها الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد في إدارة الدولة والجيش، ولا سيما التعديل الوزاري الأخير وتغيير القيادة في الحرس الثوري، والتي يرى فيها كثيرون وسيلة لتعزيز سلطته وتطبيق رؤيته في إدارة الصراع مع الغرب.
ولغياب لاريجاني عن الساحة السياسية الإيرانية أثر خاص، ولا سيما أن الرجل يعدّ من المقربين إلى المرشد الأعلى للثورة الإسلامية آية الله علي خامنئي، وهو ابن رجل دين، كما أنه متزوج من ابنة آية الله مرتضى مطهري، المقرب من مؤسس الثورة الايرانية آية الله الخميني. ويعدّ من غلاة المحافظين، إضافة إلى خبرته السياسية التي خوّلته إدارة الملف النووي على مدى السنتين الماضيتين.
ورغم التوجّه المحافظ لنجاد ولاريجاني، فإن اختلاف النهج والأسلوب كان واضحاً خلال السنوات الماضية، ولا سيما أن التنافس بينهما يعود إلى الانتخابات الرئاسية عام 2005، التي كان لاريجاني أبرز المرشحين فيها، إذ كانت معظم استطلاعات الرأي ترجح فوزه، قبل الصعود المفاجئ لأحمدي نجاد، الذي لم يكن ظاهراً حينها في أي من الاستطلاعات، التي كانت تحصر المنافسة بين لاريجاني والرئيس الحالي لمجلس تشخيص مصلحة النظام علي أكبر هاشمي رفسنجاني.
وخلال سنوات حكم الإصلاحيين، كان لاريجاني يد النظام المحافظ في الإعلام عندما عينه خامنئي رئيساً لهيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانيين منذ عام 1994 إلى عام 2004. حتى أنه يعدّ من المقربين من رفسنجاني، الذي عينه وزيراً للثقافة في حكومته.
وحرص لاريجاني، خلال منصبه الإعلامي، على حجب «تأثير الثقافة الأجنبية» عبر قطع بث البرامج المستوردة، وهو ما انتقده الإصلاحيون على اعتبار أنه يدفع الإيرانيين إلى وسائل الإعلام الغربية. كذلك اشتكى النواب الإصلاحيون من دعم هيئة الإذاعة والتلفزيون للمرشحين المحافظين في الانتخابات النيابية عام 2004، وحجب بعض تصريحات الرئيس محمد خاتمي. في المقابل، كان لاريجاني يتهم الإصلاحيين بـ«التقليل من القيم الإسلامية» واتهمهم بالفساد وتجاهل الاقتصاد على اعتبار أنه «لا يمكن إجراء إصلاحات مع شعب جائع».
وعندما تولّى لاريجاني مسؤولية الملف النووي، خلفاً للقيادي الإصلاحي حسن روحاني، رأى محللون أن في ذلك إشارة إلى نيّة طهران تشديد مواقفها في الملف النووي. وحتى لاريجاني انتقد أسلوب سلفه في إدارة المفاوضات، الذي كان قائماً على استراتيجية بناء الثقة الغربية بالبرنامج النووي الإيراني.
لكن لاريجاني نفسه لم يلبث أن بدأ ينحو في هذا الاتجاه وتفضيل التفاوض مع الغرب وتقديم ضمانات. ورغم أنه رفض أي تسوية في الملف النووي، فقد كان حريصاً على عدم إطلاق تصريحات استفزازية للغرب، على عكس محمود أحمدي نجاد. حتى أن الغرب بدأ يراه من المعتدلين الإيرانيين، وهو على ما يبدو لم يعجب الرئيس.
وتأتي الاستقالة بعدما بدا أنه تضارب بين الرئيس وأمين مجلس الأمن القومي في أعقاب زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، التي قال لاريجاني إنه نقل خلالها «رسالة نووية» لحل الأزمة خلال لقائه المرشد، وهو ما نفاه الرئيس الإيراني في مناسبتين، مشيراً إلى أن بوتين لم ينقل إلا «رسالة صداقة» إلى الشعب الإيراني.
ويرى محللون أن زيارة بوتين، إضافة إلى ارتفاع سعر برميل النفط، أعطيا إيران دفعة معنوية، وباتت مرتاحة لمسار التعاطي الغربي مع الملف النووي، على قاعدة أن أي عقوبات جديدة ستؤثر على أسعار النفط وهو ما لا تحتمله العديد من الدول الأوروبية.
هذان العاملان يدفعان الموقف الإيراني إلى المزيد من التشدّد في الملف النووي، وهو ما يعبّر عنه تعيين سعيد جليلي، المقرّب من نجاد، خلفاً للاريجاني. ويصنف جليلي في خانة المحافظين المتشددين، ولا يرىه محللون قيادياً بما يكفي لإدارة ملف التفاوض، وهو ما سيسمح لنجاد بالاضطلاع بشكل شبه مباشر في المحادثات مع الغرب.
ولم يكن الرئيس يترك لأمين المجلس الأعلى للأمن القومي أي هامش للتحرك؛ فقبل كل زيارة إلى الخارج كان لاريجاني يقوم بها للتفاوض بشأن الملف النووي، كان أحمدي نجاد يطلق تحذيرات من مغبة تقديم أي تنازلات. ولم يكن نجاد ليقبل بتاتاً بالاستقلالية الواسعة التي كان لاريجاني يتمتع بها بصفته أميناً للمجلس الذي يتبع نظرياً لرئيس الجمهورية.
ونقلت وكالة «فرانس برس» عن مصدر مقرّب من فريق لاريجاني، طلب عدم الكشف عن هويته، أن أحمدي نجاد يرى هذا المنصب «مجرد مركز تنفيذي»، «فيما امين المجلس كان حتى الساعة يؤدي، كما في الولايات المتحدة وروسيا، دوراً سياسياً حقيقياً».
ويبدو أنها ليست المرة الأولى التي تؤدّي فيها الخلافات إلى طريق مسدود بين الرئيس وأمين مجلس الأمن القومي. وقال مسؤول مركز الدراسات الإيرانية في لندن، علي نوري زاده، إن لاريجاني سبق أن قدم استقالته احتجاجاً على عدم تولّيه رئاسة الوفد الذي التقى الأميركيين في بغداد قبل أشهر، مشيراً إلى أن الرجل سحب الاستقالة نزولاً عند أوامر خامنئي.
ويرى محللون أيضاً أن استقالة كبير المفاوضين الايرانيين مرتبطة بالدرجة الأولى بمساعي نجاد لتعزيز سلطته. ورأى الخبير في الشأن الإيراني محمد صادق الحسيني، أن الرئيس عمد بالدرجة الاولى إلى إقصاء منافس محتمل في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة. وأضاف «هذه الخطوة تهدف إلى تعزيز معسكره تمهيداً للانتخابات التشريعية المقبلة (آذار 20008) والرئاسية (2009)».
ومن المحتمل أيضاً أن يكون لاريجاني يُعدّ نفسه مجدّداً لخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة، وبالتالي فهو يسعى لأن يكون خارج الحكومة مع بدء اللاستعداد لهذا الاستحقاق.
وتعقب استقالة لاريجاني استقالة كل من وزيري النفط والصناعة كاظم وزيري همانة وعلي رضا طهمسبي في آب، اللذين تركا منصبيهما لعدم امتثالهما حرفياًَ لأوامر الرئيس. وكان نجاد قد عين في ايلول 2006 مستشاره الاقرب اليه مجتبى سماره هاشمي في منصب مساعد وزير الداخلية.
وفسرت هذه التعيينات على أنها محاولة من الرئيس المحافظ لتشديد قبضة الحكومة على وزارة يديرها المسؤول القضائي الاول في البلاد آية الله هاشمي شهرودي، الذي يعينه المرشد مباشرة. وعيّن الجنرال علي رضا اشفر في آب خلفاً لسماره هاشمي. وهذا الجنرال القيادي في الحرس الثوري معروف أيضاً بقربه من احمدي نجاد.