باريس ــ بسّام الطيارة
قـــرار وزاري بقـــراءة رسالـــة «الشهيد موكيـــه» لجميـــع تلامـــذة فرنســـا


«إلى اليسار در»، استراتيجية يطبقها الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي قبل وصوله إلى سدّة الرئاسة. فهو أدرك بأن اليمين المتطرف بات أعجز عن مقاومته والتصدي لتوجهاته «الانفتاحية» على خصومه.
وقد نجحت هذه الاستراتيجية أيّ نجاح؛ فجذب إلى فريقه الوزاري من يعدّون إعلامياً «معالم اليسار الفرنسي»، وترك سيغولين رويال من دون جسور إلى الرأي العام الفرنسي باختفاء شلة من مؤيديها وراء ستار الإليزيه، وألمعهم وزير الخارجية برنار كوشنير ومساعده لشؤون التعاون جان بيار جيوييه. ومن لم يتّسع له مكان في الحكومة، كلّفه «مهمات خاصة استشارية» مثل هوبر فيدرين وجاك أتالي، الذي كان المستشار المقرب للرئيس الراحل فرانسوا ميتران. أما جاك لانغ فهو ذهب إلى جانب رئيس الوزراء السابق ميشال روكار لينضم في لجنة الإصلاحات الدستورية.
من بقي حول رويال؟ بقي فقط «الذئاب اليانعة التي تنتظر دورها»، كما يقول مراقب للحزب الاشتراكي المتهالك، الذي لم يستطع «ركوب موجة إضرابات كبرى» تستند إلى مطالب واضحة و«يسارية».
لم يبق شيء في اليسار ليأخذه ساركوزي، بل بدأ وضع اليد على «أشياء غير ملموسة»، ولكنها راكدة في اللاوعي الفرنسي، مهملة من اليساريين، ويريد أن يستثمرها بمعرفته الإعلامية: إنها التراث الفكري للشيوعيين!
ولهذه الغاية، لجأ ساركوزي إلى مشروع قراءة رسالة غي موكيه أمس أمام كل تلامذة فرنسا. هذا «المناضل من أجل الحرية»، كما يصفه الرئيس، نفذ فيه النازيون حكم الإعدام. ولكنه قبل أن يُقتل، كتب «رسالة إلى أمه». هي رسالة مؤثّرة جداً لـ«مقاوم» عمره سبعة عشر عاماً، نزل في سياق والده النائب الشيوعي ليحارب الغزاة وقبض عليه مع رفاقه.
إلا أن قسماً كبيراً من الأساتذة رفض قراءة الرسالة أمس أمام تلاميذه حتى مع صدور قرار وزاري يسمح لمدرّس التاريخ بالذهاب بعيداً وبحرية كاملة في تفسير «سياق الرسالة». وتمنّع بعض المدرسين مبنيّ على «رفض استعمال الرسالة» لأهداف سياسية من قبل ساركوزي.
إلا أن أياً من المعترضين ومن محبذي هذه الرسالة لم ير «الاستعمال المزدوج» لرسالة «الشهيد غي موكيه». لم يخطر ببال هؤلاء أن «تسليط الأضواء على شهادة موكيه» يسلط الأضواء على «حق الشعوب بمقاومة الاحتلال».
ويرى البعض أن ساركوزي، وهو طرح هذه الفكرة منذ انتخابه، يريد أن يمدح «الشوفينية الفرنسية» السائدة لدى اليمين واليسار. فهو، وإن استند في وصوله إلى الحكم إلى «حزب كبير»، إلا أنه كان يدرك أنه «ليس حزبه» في ظل وجود معارضين كثر داخله انتخبوه فقط لعدم وجود منافس «جدي آخر»، كما يقول أحد «قدماء الديغوليين».
وفي ما يلي نص رسالة غي موكيه:
«أمي الصغيرة، أيتها الحبيبة العزيزة، أخي الصغير المعبود، أبي الصغير الحبيب،
سوف أموت! ما أطلبه منك، أنتِ بصورة خاصة يا أمي، هو أن تكوني شجاعة وقوية. إنني قوي وأريد أن أكون قوياً مثلما كان أولئك الذين مضوا قبلي. طبعاً كنت أرغب في العيش. لكن ما أتمناه من كل قلبي هو أن يفيد موتي في شيء ما. لم تسنح لي الفرصة لأقبّل جان. لقد قبّلت أخواي روجيه ورينو. أمّا أخي الحقيقي، فلا أستطيع وللأسف تقبيله.
أتمنى أن يرسلوا لك كل أغراضي وأن يستفيد منها سيرج، لأنه كما اعتقد، وأتمنى، سيكون فخوراً باستخدامها يوماً ما. وأحبك أنت يا أبي الصغير للمرة الصغيرة، إذا كنت قد تسببت لك ولأمي الصغيرة بالألم. ولكن اعلم بأنني قد فعلت ما بقدرتي لأمشي على الدرب الذي رسمته لي.
وداعٌ أخير لكل أصدقائي، لأخي الذي أحبه كثيراً. فليدرس جيداً ليكون رجلاً في المستقبل.
كانت حياتي قصيرة، سبعة عشر عاماً ونصف، ولا أشعر بأي ندم، إلا ندم ترككم جميعاً.
سوف أموت مع تنتان وميشيل. أمي، ما أطلبه منك، ما أريد أن تعديني به، هو أن تكوني شجاعةً وأن تتجاوزي ألمك.
لا أستطيع الكتابة أكثر من ذلك. أترككم جميعاً، أنت يا أمي، أنت يا سيرج، وأنت يا بابا، وأنا أقبّلكم من كل قلبي. قلب الطفل.
كونوا شجعاناً!
غي الذي يحبكم
أفكار أخيرة تراودني: أنتم يا من ستبقون، كونوا جديرين بنا، نحن السبعة والعشرين الذين سنموت».