نيويورك ــ نزار عبود
المقر الرئيسي للأمم المتحدة في شرق جزيرة مانهاتن في نيويورك يعدّ أكثر من مجرد برلمان الدول وحكومة الحكومات. إنه متحف ومعرض ومزار، ناهيك بالمعاني الرمزية العديدة التي يمكن أن يجدها كل زائر في هذا المكان، الذي أنفقت الشعوب الكثير في إنشائه.
كثيرون ينظرون إلى المبنى الأكبر اليوم، وهو مقر الأمانة العامة، الذي يصل ارتفاعه إلى 39 طابقاً ويمتد مع بقية المباني فوق ثمانية هكتارات من الأرض، كحائط مبكى آخر. الحكومات الضعيفة تلجأ إليه مستغيثة. وغالباً ما يذهب عويلها أدراج الرياح. ويبقى القوي على قوته ودموع الضعفاء تجد مجاريها إلى نهر هدسون المجاور، ولا سيما أن النهر يشتهر بالجثث المجهولة الطافية الآتية من عالم الجريمة الأميركية.
لكي يبقى المقر ملائماً للقرن الحالي، كان لا بد من إعادة النظر في هياكله. ثلاثة من المباني الأربعة التي تؤلف الجمعية العامة وقاعة المؤتمرات ومبنى الأمانة العامة، يعود عهدها إلى عام 1949. صممها 11 مهندساً، يرأسهم ولاس ك. هاريسون الأميركي. وأضيف مبنى مكتبة داغ همرشولد الجنوبي في عام 1961. لذا تعدّ مباني قديمة تفتقر إلى قواعد السلامة والصحة، إلى جانب هدرها المسرف للطاقة في مدينة شديدة الحرارة صيفاً وشديدة البرودة شتاءً.
والمطلوب أن يكون مقر الأمم المتحدة نموذجاً يقتدى به في عالم يزداد مواجهة مع سخونة المناخ ويطّرد فيه الصراع بين الإنسان والطبيعة. لذا قررت الأمم المتحدة في نهاية عهد الأمين العام السابق كوفي أنان النهوض إلى القرن الواحد والعشرين على المستويات كافة.
لكن خطّة التحديث تحتاج إلى أموال كثيرة تصل إلى مليارات الدولارات، ولا يبدو أن الخطة التي وضعها فريق كوفي أنان ستقف عند حدود كلفة مليار وتسعمئة مليون دولار الأصلية، إذا ما استمر تنفيذها بالوتيرة الحالية. ففي آخر تقرير له عن سير خطة التحديث، قال الأمين العام الحالي بان كي مون إن المشروع يتعرض لبطء في التنفيذ من شأنه رفع النفقات. وعزا ذلك إلى فقدان الإرادة الريادية بعد استقالة المدير التنفيذي السابق للمشروع. ويضيف أنه وضع خططاً بديلة لتسريع العملية بما يتلاءم والخطة الأصلية التي أقرتها الدول الـ192 الأعضاء في الجمعية العامة، والتي تعرف بـ«الاستراتيجية الرابعة».
وسيحدث هذا من خلال اختصار عدد المراحل اللازمة لتجديد ديكور مبنى الأمانة العامة وتأثيثه وإعادة تجهيزه، واستعجال بناء مقر مؤتمرات مؤقّت جديد. هذا المبنى منوي بناؤه في الحديقة الشمالية للأمم المتحدة في أوائل العام المقبل. وينتظر أن تنتهي عملية التحديث الإجمالية قبل حلول عام 2013. وكانت الخطة الأصلية تتوقّع الانتهاء منه في عام 2016.
وهذا يعني أن بان يريد اختصار المراحل عن طريق تنفيذ خطة مبنى الأمانة العامة والمباني الأخرى في مرحلة واحدة بدلاً من اثنتين أو ثلاث. لكن من الصعب تنفيذ مشروع بهذه الحجم فيما عمل الأمم المتحدة مستمر كالمعتاد. إذ هناك مشكلة استيعاب آلاف الموظفين والبعثات في مبان مكتبية تستأجر لهذه الغاية.
لذا وقّعت الأمم المتحدة عقود استئجار لاستيعاب 750 موظفاً حتى الآن. والبحث جار في وسط حي مانهاتان وجنوبه عن مبان شاغرة لاستيعاب 1500 موظف آخر. وهي عقبة إضافية تحول دون التقيد بالموازنة الإجمالية المخصصة.