strong>لا تزال الحركة الدبلوماسيّة للمسؤولين الأتراك والعراقيّين نشطة بحثاً عن «حلّ سلمي» لأزمة حزب العمّال الكردستاني. ورغم رفض أنقرة وقف إطلاق النار الذي عرضه الحزب، فإنّها لا تبدو مستعجلة للقيام باجتياح فوري للأراضي العراقيّة، وخصوصاً في ظلّ الحديث عن خطط أميركيّة ــ تركيّة لضرب معاقل المتمردين في شمال بلاد الرافدين
رفضت تركيا أمس العرض الذي تقدّم به حزب العمّال الكردستاني بوقف إطلاق نار بين الطرفين، بحجّة رفض عقد اتفاقات مع «منظّمات إرهابيّة»، بحسب تعبير وزير الخارجيّة علي باباجان، الذي أجرى لقاءات مع القيادات العراقيّة في العاصمة بغداد، حيث قال إنّه نال «وعداً عراقياً» بدعم بلاده في محاربة «الإرهاب».
بدوره، رأى رئيس الحكومة التركيّة رجب طيّب أردوغان، من لندن حيث اجتمع بنظيره البريطاني غوردون براون، أنّ بلاده ممكن أن تشنّ الهجوم العسكري على شمال العراق «في أيةّ لحظة»، وسط تقديرات ترجّح تأجيل الاجتياح البرّي إلى ما بعد مؤتمر اسطنبول لدول جوار العراق في 2 و3 من الشهر المقبل، والقمّة الأميركية التركية التي ستشهدها واشنطن في الخامس منه.
وفي ختام مباحثات أجراها مع الرئيس العراقي جلال الطالباني ونائبه طارق الهاشمي ووزير الخارجية هوشيار زيباري، قال باباجان: «أخذنا وعداً بدعم تركيا في محاربة الارهاب»، كاشفاً عن أنه تمّ الاتفاق على «خطوات مهمّة» من شأنها تفادي الأزمة ومعالجتها بالطرق السياسيّة، وتفعيل مجموعة من الإجراءات، أهمّها «عدم السماح لحزب العمال الكردستاني بالعمل بحرية في الحركة والتموين وإقفال المكاتب»، بالإضافة إلى السعي لحلّ القضية بالإجراءات السلميّة، مشيراً إلى أنّ الحلّ العسكري «هو آخر الحلول». وأضاف الوزير التركي: «نحن نقرّ بأن هناك عدّة طرق لمكافحة الإرهاب منها السياسة والحوار والثقافة والاقتصاد».
وخلال المؤتمر الصحافي المشترك، أعلن زيباري، الذي استعاض عن تعبير «كردستان العراق» بـ«المنطقة الشمالية»، أنّ حكومته بدأت توقف حرية الحركة للمقاتلين الأكراد والتنقل والتمويل وإقفال مكاتبهم في العراق، وهو ما أكّده رئيس الحكومة نوري المالكي بعد لقائه ضيفه التركي مساءً.
كما نفى زيباري أن تكون وزارته قد تسلّمت أي قوائم من الجانب التركي لمسؤولين عراقيّين أكراد مطلوبين لديها، معلناً أنّ القوائم لا تتضمّن سوى أسماء قادة حزب العمّال الكردستاني.
وجاء كلام زيباري ردّاً على تقارير لصحيفة «صباح» التركية أكّدت أنّ تركيا ستطالب بمعاقبة رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البرزاني بسبب موقفه الأخير من المواجهات مع حزب العمّال. وذكرت هذه التقارير أن تركيا ستفرض عقوبات اقتصادية حالياً على المنطقة الكردية وضدّ البرزاني شخصياً.
وفي لندن، قال أردوغان، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع براون، إن قوّات بلاده «في الوقت الراهن في وضع انتظار، لكن على العراق أن يعرف أنّ في وسعنا استخدام التفويض (البرلماني) للقيام بعملية عبر الحدود في أي وقت، وأننا لن ننتظر التحرّّك العراقي إلى الأبد». وشدّد أردوغان على أنه إذا اتُّخذ القرار العسكري، فإنّ أهداف الغزو ستقتصر على مواقع حزب العمال الكردستاني، مؤكّداً أن تركيا «ليس لها أي طموحات جغرافية في العراق». وكشف أردوغان عن أنّ أنقرة تدرس إمكان «فرض بعض العقوبات في ما يتعلّق ببعض السلع التي نصدّرها إلى العراق».
أمّا براون فقد أعلن، من جهته، أن بريطانيا «قرّرت حظر نشاطات حزب العمال الكردستاني في المملكة واعتباره منظّمة إرهابيّة».
وتتزامن زيارة أردوغان إلى العاصمة البريطانيّة مع أخرى يقوم بها نظيره الإسرائيلي إيهود أولمرت. وتوقعت «يديعوت أحرونوت» أن يثيرا، خلال اجتماعهما الذي لم يُعلَن عن موعده، قضية الدعم العسكري الذي تقدّمه إسرائيل لأكراد العراق.
وذكرت الصحيفة أنَّ «مسؤولين في الحكومة وجهاز الاستخبارات العسكريّة الإسرائيلية طرحوا في الأشهر القليلة الماضية موضوع التعاون بين أطراف إسرائيلية وقادة أكراد في شمال العراق بناءً على معلومات وصلت للأتراك تكشف أنَّ خبراء من خرّيجي الأذرع الأمنية والعسكريّة الإسرائيليّة، يستغلّون عملهم في شركات أمنيّة خاصّة لمساعدة وتسليح قادة أكراد شمال العراق قبالة الحدود مع تركيا». وأشارت الصحيفة إلى أنّ مسؤولين في مكتب أولمرت أوضحوا لنظرائهم الأتراك أنّ «إسرائيل ليست شريكة ولا تتعاون مع أي طرف من الأكراد». غير أنّ الصحافي تسادوق يحزقيلي كتب في «يديعوت» أنّ الحقائق تشير إلى أنه «طوال سنتين تقريباً، ساعدت شركات إسرائيلية وعشرات الخبراء والمقاتلين الإسرائيليّين الحكومة الكردية في العراق من خلال تزويدها بخبرات أمنيّة وشحنات أسلحة»، مضيفاً أنّ «هذه المساعدة لا تزال سارية حتّى اليوم»، ومؤكّداً أنه «خلال عام 2004، أقام الإسرائيليّون قاعدة عسكرية سريّة في شمال العراق لإجراء تدريبات مكثّفة».
في المقابل، نقلت صحيفة «شيكاغو تريبيون» الأميركيّة أمس عن مسؤولين حكوميّين قولهم إنّ واشنطن تدرس احتمال شنّ ضربات جويّة على معاقل حزب العمّال كبديل لوقف مخطّطات تركيا التوغّل في هذه الأراضي.
وأكّدت هذه المصادر أنّ الرئيس الأميركي جورج بوش أبلغ نظيره التركي عبد الله غول، في مكالمة هاتفية جرت بينهما أوّل من أمس، أنّ إدارته تدرس جدّياً خيارات «تتجاوز الدبلوماسية» لحلّ المشكلة، من ضمنها إطلاق صواريخ، بالإضافة إلى ضربات جوية مباشرة.
إلى ذلك، كشفت وزيرة الخارجية الأميركيّة كوندوليزا رايس، بعد لقائها نظيرها البريطاني دايفيد ميليباند،في واشنطن، أنّ اجتماعاً ثلاثيّاً سيُعقَد الشهر المقبل على هامش لقاءات مؤتمر اسطنبول لدول جوار، سيحضره مسؤولون أميركيّون وأتراك وعراقيّون لمناقشة كيفيّة وقف هجمات الأكراد.
(الأخبار، أ ب، أ ف ب، يو بي آي، رويترز)