باريس ــ بسّام الطيارة
تأتي زيارة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي إلى المغرب، التي بدأت أوّل من أمس وتنتهي اليوم، لتسدّ فراغاً تركه رفض الرباط في تمّوز الماضي زيارة سابقة، كانت مقرّرة في جولة مغربية شملت الجزائر وتونس، ولإرساء «شراكة حقيقيّة» أساسها قبول المغرب بمبادرة «الاتّحاد المتوسّطي»، في ظلّ تنامي «تعاونه» مع الولايات المتّحدة


سيطرت غيوم باريسيّة أمس على أجواء زيارة نيكولا ساركوزي إلى المغرب، إذ أصدر القاضي الفرنسي، باتريك راماييل، مذكّرات توقيف في حق 5 مغاربة، في قضيّة المعارض المغربي الراحل مهدي بن بركة، المختفي في منفاه، باريس، منذ 29 تشرين الأوّل عام 1965، بعد عملية قامت بها أجهزة الملك المغربي السابق الحسن الثاني، بالتواطؤ مع عناصر من الشرطة الفرنسيّة.
وفيما علّق سيّد الإليزيه على التطوّر قائلاً «لا دخل لي في ذلك، لست المتحدّث باسم» وزارة العدل، رآه البعض دليلاً على «كثير من المصادفات». إذ إن الشخصيات الخمس المذكورة مقربة جداً من الملك المغربي، محمّد السادس، مثل قائد الدرك الملكي الجنرال حسني بن سليمان، والرئيس السابق للاستخبارات عبد الحق قادري، إلى جانب 3 عملاء استخبارات مغاربة، هم المتّهم بالمشاركة بخطف بن بركة ميلود تونسي، وبوبكر حسوني وعبد الحق الشعشي.
ساركوزي، الذي جدّد وقوفه إلى جانب الرباط في قضيّة الصحراء الغربيّة، شدّد على أنّ زيارته هي لاقتراح «شراكة حقيقية مع المغرب، على قدم المساواة، لأنه إذا كانت فرنسا قادرة على إعطاء الكثير، فإن هناك الكثير مما يمكنها أن تتعلمه» من المغرب.
وتكمن الأهداف الرئيسيّة للزيارة في إقناع الملك المغربي بدعم وتأييد «فكرة الاتّحاد المتوسطي» التي أطلقها ساركوزي في حملته الانتخابية، والتي رأى فيها البعض «محاولة لتدارك مشكلتين». الأولى، هي عقدة انتماء تركيا للاتحاد الأوروبي، حيث يرى ساركوزي أن طرحه يمكن أن يفتح باب التعاون الوثيق مع تركيا مع إبقائها خارج الاتحاد. أمّا الثانية، فهي مشكلة جمع العرب وإسرائيل في إطار تنظيمي شامل يتدارك فشل لقاءات برشلونة ويفتح باب التعاون على الصعيد الإقليمي.
ورغم المعارضة القويّة من الأوروبيين والتردّد الملموس من الشركاء في جنوب المتوسط، فإنّ ساركوزي لا يتراجع عن فكرته ويحاول التسويق لها في المغرب عبر تصريحات أقل ما يمكن أن يقال إنها «مغرقة في الطوباوية». فهو يرى في هذا الاتحاد «مركز السلام والثقافة والديموقراطية والتنمية المستدامة».
وعلمت «الأخبار» أنّ الفريق المكلّف التحضير لإطلاق المشروع قد تشكّل وأنّ سفير فرنسا السابق في مدغشقر، ألان لوروا، قد تسلّم إدارة فريق عمل له ضمن جدران الـ«كي دورسيه». كما أفاد مصدر مسؤول عن التحضير لعقد قمة لرؤساء الدول المدعوة للانضمام إلى الاتحاد في أواسط العام المقبل على أبعد تقدير، وهو ما تؤيّده كل من اليونان وإسبانيا.
ومن بين الملفّات التي حملها ساركوزي معه إلى المغرب، ملف من مخلّفات عهد سلفه جاك شيراك، يُبرز بشكل فاضح «تراجع التأثير الفرنسي على بلد كان يُعدّ معقلاً فرنسياً متقدّماً في أفريقيا والمغرب العربي». ويبرز في هذا السياق تراجع الرباط عن شراء مقاتلات «رافال» الفرنسية وإبدالها بمقاتلات «أف - ١٦» الأميركية، وما يمثل هذا من خسارة كبيرة لباريس على المستويين التجاري والسياسي، وخصوصاً أنّ واشنطن حظيت بالصفقة بعد تقديمها دعماً سياسياً في قضية الصحراء الغربية ودعماً مالياً لتنمية الريف ودحر الفقر.
ومع ذلك، تمّ توقيع عقود تجاريّة بلغت قيمتها 3 مليارات يورو، موزّعة بين القطاعين العسكري والمدني، أبرزها بناء خط للقطار السريع بين طنجة والدار البيضاء. كما وُقّع اتفاق للتنقيب عن الـ«يورانيوم» في الصحراء الجنوبية، وتعهّدت باريس تزويد المغرب بفرقاطة متعدّدة المهمات. غير أنّ الأوساط الصناعية ورجال الأعمال الفرنسيّين يتململون من تراجع نفوذ باريس في هذه المنطقة، إذ يرى المراقبون أن يد واشنطن باتت الطولى في حيّز التعاون مع الرباط أكان ذلك في مجال محاربة «الإرهاب» أم في مجال التعاون الصناعي. كما تزيد من المنح الدراسية بحيث بدأت الثقافة الـ «أنكلوساكسونية» تحلّ مكان الـ «فرنكوفونية» لدى الطبقات المؤثّرة اقتصادياً وسياسياً في المغرب.