strong>أرنست خوري
تتسابق التطوّرات الميدانيّة والسياسيّة على الجبهة الكرديّة، في حين يبقى ملفّ حزب «الحياة الحرّة لكردستان»، الجناح الإيراني لـ«العمّال الكردستاني» بعيداً نوعاً ما عن الأضواء، رغم إشارة تقارير ومعلومات عديدة إلى ارتباط هذا الحزب بدعم أميركي وحتّى إسرائيلي كبيرين. فهل تصدق ترجيحات دخول الحزب أو إيران على خطّ الاجتياح التركي المرتقَب لشمال العراق؟

من نافل القول إنّ الملفّ الكردي ـــــ التركي ـــــ العراقي، بلغ اليوم، في ضوء التطوّرات العسكريّة الأخيرة، مرحلة من التوتّر بات من الصعب العودة فيه إلى مرحلة التهدئة التي عرفها خلال السنوات الأولى التي أعقبت احتلال العراق عام 2003.
وفي وقت تسلّط فيه معظم وكالات الأنباء والمساعي الدبلوماسيّة الحثيثة اهتمامها وجهودها على ملفّ الجناح التركي من حزب العمّال الكردستاني، تظهر منذ فترة، ملامح أزمة كرديّة جديدة ـــــ قديمة، لكن على الحدود العراقيّة ـــــ الإيرانيّة هذه المرّة؛ فعلى هذه الحدود بالتحديد، هناك حزب «الحياة الحرّة لكردستان»، الذي تختصره حروف «بيجاك»، وهو تنظيم كردي مسلَّح، يرتبط بحزب العمّال الكردستاني الذي يبقى «الأب الروحي» لمختلف التنظيمات الكرديّة الانفصاليّة الماركسيّة سابقاً.
وشأنه شأن معظم هذه التنظيمات التي بات خطابها السياسي أكثر «اعتدالاً» اليوم، فإنّ «بيجاك» تنازل عن مطلبه الفوري في إقامة دولة «كردستان التاريخيّة» وبات «اعتداله» يقوم على العمل في سبيل تغيير النظام الإسلامي في إيران نحو دولة ديموقراطيّة فدراليّة ونيل حكم ذاتي للأكراد في الإقليم الغربي من البلاد، إضافة إلى إعطاء حقّ إنشاء الأقاليم للقوميات الإيرانية غير الفارسيّة الأخرى مثل الأذريّين والعرب.
وتبرز في مقدّمة النقاط التي تشغل بال المراقبين للملفّ الكردي ـــــ الإيراني، مواضيع ثلاثة: أوّلاً، العلاقة التي باتت شبه مؤكّدة بين «بيجاك» والإدارة الأميركيّة التي تبحث من دون كلل عن أعداء نظام طهران لتدعمهم. وثانياً، التصعيد العسكري الذي اعتمده الحزب الكردي الإيراني منذ نحو عام ضدّ الحرس الثوري. وثالثاً التقارير التي أفادت أخيراً بأنّ الجيش الإيراني يعتزم الاستفادة من الأجواء التي تنذر بقرب موعد الاجتياح التركي لشمال العراق لضرب مقاتلي «العمّال الكردستاني»، وتوجيه ضربة موازية لـ«توأمه» حزب الحياة الحرّة.
وفي السياق الأوّل، جدّد زعيم الحزب رحمن حجّ أحمدي في 16 أيلول الماضي، في مقابلات صحافيّة، استعداد حزبه للتعاون مع الولايات المتحدة في سبيل ما وصفه بـ«المصالح العليا للحزب». ونقلت صحيفة «نيويورك تايمز» أوّل من أمس عن أحد القياديّين السياسيّين الـ11 للحزب بريار جبر، قوله إنّ «هناك حواراً طبيعياً» مع المسؤولين الأميركيّين.
ولا تقتصر المعلومات عن التعاون على هذه التصريحات، بل تتعدّاها إلى مصادر في الإدارة الأميركيّة نفسها؛ فعضو الكونغرس الأميركي والمرشّح الديموقراطي الرئاسي الحالي دينيس كوسينيتش أرسل في 16 نيسان من العام الماضي رسالة إلى الرئيس جورج بوش أكّد له من خلالها اعتقاده بأنّ واشنطن تدعم وتنسّق مع «بيجاك» في شمال العراق. كما أنّ الصحافي سيمور هيرش أكّد هذا الأمر في سلسلة مقالاته الشهيرة في «نيويوركر» عام 2006، مشيراً إلى أنّ كلاً من الولايات المتحدة وإسرائيل تدرّبان هذا الحزب وتدعمانه مادّياً واستخباريّاً وعلى كل المستويات بغية تشكيل ضغط على النظام الإسلامي في طهران.
غير أنّ المتحدّث باسم الحزب إحسان وريا أعرب، في مقابلة مع المجلّة الإلكترونيّة الأميركيّة «سلايت ماغازين» (التابعة لمجموعة «واشنطن بوست»)، عام 2006 أيضاً، عن خيبة أمل حزبه من عدم دعم واشنطن الكافي له. لكنّ العلاقة بين الطرفين اتّضحت في شهر آب الماضي عندما استقبلت واشنطن أحمدي، الذي التقى هناك عدداً من المسؤولين الأميركيّين. ويمكن القول إنه بمجرّد سماح السلطات الأميركيّة لقيادي في حزب تصنّفه على لائحة التنظيمات الإرهابيّة (كونه أحد الأحزاب التي تدور في فلك حزب العمّال الكردستاني «الإرهابي» بالنسبة لواشنطن)، فهذا يعطي انطباعاً كبيراً بأنّ الإدارة الأميركيّة تقدّم فعلاً الدعم له.
غير أنّ هؤلاء لا يفوّتون فرصة إلّا وينكرون فيها أي دعم يقدّمونه للحزب، وكان آخر تصريحات النفي صادراً عن المتحدّث العسكري باسم القوات الأميركيّة في بغداد، سكوت راي، الذي ردّ رفض بلاده العلني لدعم هذا الحزب إلى أنه يرتبط بـ«حزب العمال الكردستاني» الذي وضعته واشنطن منذ سنوات على لائحة الإرهاب إرضاءً لحليفتها أنقرة.
أمّا حول التصعيد العسكري الذي اتّبعه «بيجاك» منذ فترة، فقد ألحق الحزب خسائر كبيرة في صفوف الجيش الإيراني في الفترة الأخيرة، منها ما اعترف بها النظام، ومنها الآخر ما نكره. وكشف القيادي في حزب العمّال الكردستاني، مراد كرايلان، أنّ الخسائر الإيرانيّة التي ألحقها بها الحزب الكردي ـــــ الإيراني وصلت منذ آب الماضي حتّى اليوم إلى أكثر من 150 جنديّاً. ويعيد مسؤولو الحزب السبب الذي دفعهم إلى زيادة وتيرة عمليّاتهم ضد إيران إلى زيادة الإعدامات التي ينفّذها النظام الإسلامي بحقّ الأكراد المعارضين في البلاد.
غير أنّ هناك من يشير إلى سبب آخر لارتفاع وتيرة العمليّات، مثل النائب السابق في البرلمان الإيراني، جلال جليل زاداه (وهو كردي)، الذي أكّد لـ«نيويورك تايمز» بأنّ «بيجاك» بدأ استراتيجيّة جديدة في العمل العسكري منذ نحو عام يقوم على استهداف أعضاء الحرس الثوري الإيراني بقوّة، وهي الاستراتيجية التي عبّر عنها إسقاط المروحيّة التي كانت تقلّ الحرس الثوري في أيلول الماضي وقتل 6 عناصر منهم.
وكما هي الحال بالنسبة لـ«العبء» الذي بات يشكّله حزب العمّال الكردستاني بالنسبة للتحالف الكردستاني الحاكم في شمال العراق، فإنّ «بيجاك» بات بدوره «يزعج» أكراد العراق رغم «الرابطة القوميّة» التي تجمع بينهم؛ فإيران في نهاية المطاف شريك تجاري أكثر من مهم بالنسبة لإقليم كردستان العراق، إذ أدّى إقفال الحدود الإيرانيّة ـــــ العراقيّة في أيلول الماضي، ردّاً على اعتقال الجيش الأميركي لرجل أعمال إيراني في مدينة السليمانيّة، إلى خسائر تُقَدَّر بمليون دولار يوميّاً بالنسبة للإقليم العراقي.
وفي هذا الإطار، يخشى أكراد العراق من حصول سيناريو إيراني مشابه لذلك الحاصل اليوم مع تركيا، التي تهدّد باجتياح الأراضي العراقيّة الشماليّة، وخصوصاً بعد ورود تقارير صحافيّة في اليومين الماضيين تشير إلى أن إيران حشدت قوّات عسكريّة كبيرة في مناطق مريوان وباوة وجوانرو القريبة من الحدود الشرقية لإقليم كردستان، والتي يعتمدها المقاتلون الأكراد كخلفيّة آمنة لهم لشنّ «حرب العصابات» ضدّ الجيش الإيراني النظامي، وذلك تمهيداً لشنّ هجوم واسع النطاق على معاقل الحزب بالتزامن مع الاجتياح التركي المرتقب، وهو ما يتجاوز وتيرة القصف الإيراني الذي لم يتوقّف منذ الصيف الماضي للقرى الحدودية الإيرانيّة ـــــ العراقيّة في جبال قنديل.