للمرّة الأولى في تاريخ صراعه العسكري، ومن ثمّ السياسي، الطويل في سبيل القضيّة الكرديّة، طالب أمس رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البرزاني رسميّاً حزب العمّال الكردستاني بـ«التخلّي عن عقيدة الكفاح المسلَّح ضدّ تركيا وتسليم سلاحه لأنّ الطريق الصحيح للنضال في المرحلة الحاليّة يجب أن يستند إلى العمل السياسي والفكري والإعلامي والدبلوماسي»، بل أكثر من ذلك، حين وصف البرزاني عمليات «حزب العمال» بأنها «عمليّات إرهابية مُدانَة يقع شعب كردستان ضحيّة لها»، في وقت كشف فيه مسؤول «رفيع المستوى» في وزارة الخارجيّة التركيّة عن أنّ الرئيس العراقي جلال الطالباني قال لوزير الخارجيّة علي باباجان، الذي زار بغداد أوّل من أمس، إن «من الممكن أن يقوم العراق بتسليم القادة من حزب العمّال»، ممن يتّخذون من شمال البلاد مقرّاً لهم، للسلطات التركيّة. ويُعتَبَر هذان الموقفان للزعيمين الكرديّين الأبرز في بلاد الرافدين تغييراً جذريّاً لمواقفهما، التي سبق أن أطلقاها قبل أيّام في أربيل حيث أعلنا أنّهما لن يسلّما أي كردي لأنقرة حتى لو كان «قطة». وجاءا غداة إعلان رئيس الحكومة نوري المالكي قراره إقفال جميع مكاتب الحزب التركي الكردي في العراق. وفي وقت لاحق، نفىالطالباني أن يكون عرض على أنقرة تسليم القادة الأكراد.
ومع ذلك، قرر نواب برلمان كردستان العراق إرسال العديد من قوّات البشمركة إلى الحدود العراقية التركية «للدفاع عن النفس إذا تمّ الاجتياح التركي». وفي السياق، اعتبر المتحدّث باسم «العمّال الكردستاني» عبد الرحمن الجادرجي وصف المالكي لحزبه بـ«الإرهابي» وقراره إقفال مكاتبه في العراق «عاراً» و«استسلاماً لضغط تركيا».
في هذا الوقت، شنّ الجيش التركي غارات جويّة، هي الأعنف على الأراضي الشماليّة العراقيّة. وأعلن نائب رئيس الوزراء التركي جميل جيجيك أنّ الحملة العسكرية بدأت بالفعل منذ ليل الاثنين ــــــ الثلاثاء على مواقع «العمّال الكردستاني» على الحدود، موضحاً أن التوغّل وصل إلى مسافة 10 كيلومترات داخل العراق، وشارك فيه نحو 300 جندي قتلوا 34 من المقاتلين الأكراد.
لكنّ مصادر عسكريّة عادت في ما بعد وشدّدت على أنّ هذه الطلعات الجوية تبقى محدودة، وليست ذلك الهجوم الكبير الذي تخطّط له أنقرة.
ووصف الجادرجي تصريحات جيجيك بأنها مجرّد «أكاذيب لا أساس لها».
إلى ذلك، أُعلن في بغداد أمس أنّ وفداً عراقيّاً يضمّ خبراء أمنيّين وسياسيّين يرأسهم وزير الأمن الوطني العراقي شروان الوائلي سيصل اليوم إلى أنقرة للتنسيق مع السلطات حول التعاون «ضدّ إرهاب حزب العمّال». ووصف مسؤول في وزارة الخارجية التركية المحادثات المقرَّرة بأنها «الفرصة الأخيرة» أمام الدبلوماسية.
وكانت المفوّضية الأوروبيّة والبرتغال، التي تتولّى حاليّاً رئاسة الاتحاد الأوروبي، اعتمدتا أمس لهجة تحذيريّة متشدّدة إزاء التهديدات التركيّة، إذ أعلن الوزير البرتغالي المنتدب للشؤون الأوروبية مانويل لوبو أنتونس، في قاعة البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ أمس، أن «على تركيا أن تتريّث قبل الانطلاق في تدخّل عسكري وأن تفكّر مرّتين قبل ذلك». وفي ما يبدو أنّه تهديد مبطَّن بعدم قبول ترشيحها للدخول في الاتحاد الأوروبي، قال مفوّض الاتحاد لشؤون توسيع العضويّة، أولي ريهن، إنّ الاتحاد سينظر في شأن قبول أنقرة في ضوء التقرير الذي سيُظهر ما إذا كانت هذه الدولة التزمت الحدّ من سيطرة العسكر وحقوق الأقليات والنساء والإصلاحات أم لا.
وفي دمشق، التقى رئيس البرلمان العراقي محمود المشهداني نظيره السوري محمود الأبرش، الذي نفى أنباء عن توسّط بلاده في الأزمة، مشيراً إلى أنّ هذا الدور «ليس محلّ نقاش في الوقت الحاضر».
أمّا المشهداني فجدّد من جهته انتقاده لقرار التفويض الذي اتّخذه البرلمان التركي يوم الأربعاء الماضي، مقرّاًَ بأنّ بلاده عاجزة عن تعقّب المقاتلين الأكراد الذين ينتشرون في سفوح الجبال الشماليّة الوعرة.
(الأخبار، أ ب، أ ف ب، يو بي آي، رويترز، د ب أ)