برلين ــ غسان أبو حمد
«لماذا تذكّر الرئيس الأميركي جورج بوش فجأة الأزمة التركية ـــــ العراقية؟!». بهذا العنوان العريض، السافر في حدود «عفويّته»، خرجت وكالة الأنباء الألمانيّة، «شبيغل أونلاين»، في مطلع هذا الأسبوع الجاري، على قرائها تسألهم جواباً عت سؤال، زاد عند طرحه من حجم مخاوفهم ومتاعبهم في هذه الظروف الحرجة: هل يريد بوش نقل متاعب السياسة الأميركية في العراق إلى الساحة الألمانية؟
من أين يأتي الاستقرار الاقتصادي والأمني والاجتماعي في حال اندلاع شرارة القتال في المدن الألمانية، بين نحو نصف مليون كردي من جهة، ونحو 4 ملايين تركي؟ لا بل كيف يمكن التمييز بين سحنات سمراء لاجئة، متشابهة في الشكل يحمل معظمها هويّات مزوّرة تأميناً للقمة العيش؟
«نعم، لماذا الآن وفي هذا الوقت بالتحديد؟» يتساءل المعلّق التلفزيوني في القناة التلفزيونيّة الأولى، مبتسماً، كأنه لا يريد استغباء المشاهدين، معلناً الجواب عبر سلسلة من الصور تنقل الجنود الجرحى والقتلى الأميركيين في العراق على حمّالات إلى مستشفى قاعدة «رامشتاين» الجويّة الأميركية في جنوب غرب ألمانيا.
هذا المشهد، أيقظ في ذاكرة المشاهدين صوراً من الخوف والقلق عرفتها بلادهم قبل نحو 20 عاماً، عبر «حزب العمال الكردستاني»، وزعيمه عبد الله أوجلان، ومعه «المفتي متين قبلان»، ومعهم من هو من دون هوية ومن هو «قيد الدرس» ومن هو «قيد الترحيل»، بعضهم، ببطاقة مرور زرقاء، صالحة للتجديد كل 10 أيام بانتظار وصول قاطرة النقل، فيما البعض الآخر متخفٍّ داخل منازل بعض العائلات الألمانية.
السياسيّون الألمان التقطوا المناسبة، وبدأوا البحث عن حلّ ينجّي ساحتهم ويحفظ سلامتهم من صراعات الآخرين على أرضهم؛ فهم دفعوا في الماضي ثمنها غالياً. كيف بالإمكان حماية استقرار الساحة الألمانية في ظلّ موجة «الهجوم الدولي» على الإرهاب، مؤيّداً من الاتحاد الأوروبي، ومعززاً ببيان رسمي من المفوضية الأوروبية، غامض في فحواه وغايته، يطالب باعتماد الطرق السلمية لحلّ الخلافات والنزاعات ومنح الشعوب حقوقها، وفي الوقت نفسه بدعم الجهود التركية وسياستها البنّاءة لدعم الاستقرار في العراق!
سارعت الحكومة الألمانية من جهتها، إلى لملمة الوضع معلنة «جانب الحياد». وجاء في البيان الأوّل لها «مناشدة سريعة لأطراف النزاع في شمالي العراق بوقف القتال». وطالب الناطق باسم الحكومة، طوماس شتيغ، كلتا الحكومتين في أنقرة وبغداد «ببذل الجهود والتنسيق معاً حفاظاً على استقرار المنطقة». وأشار شتيغ، الذي أوضح أنّ حكومة بلاده تدرك الطابع الإرهابي لنشاطات «العمّال الكردستاني»، إلى الدور التوفيقي الذي قام به وزير الخارجية الألماني، فرانك فالتر شتاينماير، خلال اتصاله بنظيره التركي، علي باباجان، بشأن أهمية أن «تمعن أنقرة في التفكير المتأنّي في جميع القرارات والنظر إلى التأثيرات المحتملة لها على زعزعة الاستقرار وزيادة صعوبة الوضع الصعب».
وتأتي دعوة الحكومة إلى التهدئة فيما يُتوقّع أن تشهد ضواحي المدن الألمانيّة الكبرى، أعنف المعارك بين الأتراك والأكراد، وتحديداً في منطقتي كرويزبرغ وفيدينغ، في برلين، اللتين تسكنهما غالبيّة متجاورة من الجاليتين، منغلقة على نفسها، تمارس مهناً وأعمالاً واحدة، أكثرها يقوم على تجارة النقل السريع والبيع المفرّق لمنتجات غذائية مستوردة.
وأدركت الصحافة الألمانية تململ الموقف الحكومي الألماني وخوفه من انتقال الصراع، حيث بات بالإمكان مشاهدة الشعارات المتناقضة والشتائم المتبادلة بين طرفي النزاع مطلية بالخطوط العريضة على جدران المدن، تنتظر شعلة الانفجار.
الناطق باسم السياسة الخارجية الألمانيّة، في قيادة «التجمّع المسيحي الديموقراطي»، النائب آيكارت فون كلايدن، دان التدخل العسكري التركي في إقليم كردستان، متهماً الحكومة التركية بالتدخل في شمال العراق من دون أيّ تفويض رسمي دولي.
وكشف فون كلايدن، في حديث لصحيفة «دير شبيغل»، عن أنّ الأميركيين يضغطون على تركيا، كي تغزو شمال العراق، مشدّداً على أنّه يجب على الحكومة التركية أن تدرك جيداً أن زيادة حجم الفوضى في بلاد الرافدين تنعكس سلباً على الأمن في أوروبا. وخاطب القيادة التركية قائلًا «من يسع للحصول على العضوية الكاملة في الاتّحاد الأوروبي عليه أن يحافظ على مصالح الاتحاد الأوروبي، فالغاية لا تبرّر الوسيلة إطلاقاً».