strong>ربى أبو عمو
النظام القبلي لا يزال يسيطر على عقليّة السكّان وهيكلية الدولة

لا يشبه حدث انتخابات مجلس الشورى الذي يبدأ اليوم في سلطنة عمان أي انتخابات أخرى في دول العالم التي تضمّ تيارات سياسية مختلفة وحملات انتخابية تستغرق شهوراً تتخلّلها معارك كلامية ومهرجانات خطابية، فضلاً عن صور المرشحين التي تتآلف مع الشارع. فهذا التنوّع يحظره القانون في السلطنة، الذي يمنع إنشاء الأحزاب السياسية، ليكون التنافس على مقاعد المجلس الـ 84 مقتصراً على الصورة أو العمل الفردي للمرشحين عن الولايات الـ 61.
إلّا أن الجديد في التجربة الانتخابية السادسة في هذا البلد تجلّى في السماح باستخدام الدعاية الانتخابية للمرة الأولى منذ تأسيس المجلس في عام 1991، وإن ضمن نظام معيّن؛ بات المرشحون يستطيعون الدعاية لأنفسهم وشعاراتهم الانتخابية مع تحديد عدد اللافتات (عشر في كل محافظة)، ومنع قيام التجمعات الانتخابية في أماكن العبادة. كما يُسمح بنشر الدعايات الانتخابية في الصحف، شرط ألّا يتعدّى الإعلان الواحد ربع صفحة «لتساوي الفرص والشفافية»، على حد تعبير أحد المرشحين.
والجديد في الانتخابات السادسة أيضاً خفض سنّ الاقتراع من 30 عاماً إلى 21 عاماً، ما رفع عدد الناخبين، إذ تشير إحصاءات وزارة الداخلية العمانية إلى نمو في الإقبال على التسجيل للانتخاب قارب الخمسين في المئة. أما البرامج الانتخابية التي تبنّاها المرشحون، ولا سيما السابقون، فقد اقتصرت على التذكير بإنجازاتهم السابقة في إطار تبني المشاريع الإصلاحية في الدولة. وكان اللافت غياب الشعارات المناصرة للقضية الفلسطينية كما جرت العادة، ما يكرّس الرؤية السياسية التي تتبناها السلطنة، المتمثّلة في تحالفها القوي مع الولايات المتحدة.
العائق الوحيد في هذه الانتخابات، التي تشهد ترشّح عدد لافت من المثقفين، يتمثّل في هيمنة القبلية والعائلية التي لا تزال تستحوذ على خلفية الناخب العماني رغم العمل على نقل السلطنة من كيانها البدوي إلى دولة منظمة.
يمكن اعتبار عام 1970 نقطة التحوّل الأساسية في طريق السلطنة نحو بناء الدولة، بعد انقلاب السلطان قابوس على والده سعيد بن تيمور بدعم من البريطانيين لإيجاد جهاز سلطوي جديد يمكن بواسطته الحفاظ على المصالح البريطانية في المنطقة، المتمثلة بسهولة الحصول على النفط وتأمين طرق نقله وحمايتها، ولا سيما أن البريطانيين كانوا يتهمون السلطان تيمور بعدم تجاوبه بما فيه الكفاية لمواجهة ثورة ظفار، التي انطلقت عام 1965.
وركّز السلطان الجديد، بعد قضائه على الثورة، اهتمامه على القبائل، التي تكوّن مجتمع السلطنة، داخل كل ولاية، من خلال تقليص قوة القبيلة على المستوى السياسي، والإبقاء على دورها الاجتماعي. وأدت القبيلة دوراً مهماً في عملية بناء الدولة من دون أن تشكّل في الحالة العُمانية عائقاً لاندماج الدولة وتطوير مؤسساتها، بل كانت في كثير من الأحيان عاملاً مساعداً، وملأت الفراغ الذي كان ينشأ في مراحل الانتقال.
غير أن نظام السلطنة لم يستغن عن القبيلة تماماً؛ إذ واصلت سياسة التعيينات وتخصيص الموارد حسب المعايير القبلية ليستمر تغلغلها في الدولة، وهذا ما يفسّر استمرار العقيدة القبلية وتحكمها في العقلية الانتخابية للمواطن. ويقول الصحافي سعيد الكثيري إن «القبيلة والمحسوبية حلّت محلّ الوطنية والكفاءة، واشتدت النزعات والعصبيات القبلية والعنصرية، ما يُعَدُّ أسوأ الأمور في هذه التجربة».
وكانت إحدى ثمار هذه الإصلاحات إنشاء مجلس الشـورى (مدة ولايته 3 سنوات)، يتمتّع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي والإداري، ولا تتعدّى صلاحياته المجالات التنموية والاجتماعية، وخصوصاً أن السلطان يحتفظ بالسلطة النهائية في العملية الانتخابية، ويمكنه، فضلاً عن الاختيار النهائي لأعضاء المجلس، إلغاء نتائج الانتخابات.
ووفقاً للمادة 28 من نظام مجلس الدولة والشورى، يحقّ للمجلس مراجعة مشروعات القوانين التي تعدها الوزارات والجهات الحكومية قبل اتخاذ إجراءات إصدارها، وتقديم ما يراه مناسباً في مجال تطوير القوانين الاقتصادية والاجتماعية النافذة في السلطنة، وإعداد مشروعات الخطط التنموية في البلاد، إضافة إلى إبداء الرأي في الموضوعات التي يرى السلطان عرضها على المجلس.
وتعقد الانتخابات وفقاً لنظام الغالبية. وإذا زاد عدد سكان الولاية على 30000 مواطن، يخصص لها مقعدان في مجلس الشورى، فيما يختار عضو واحد للولايات التي يقل عدد سكانها عن هذا الرقم. لذا يمثّل نهج الشورى العمانية تطوراً تدريجياً يهدف إلى التوصّل إلى أوسع نطاق للمشاركة الوطنية عبر ترشيح ممثلي الولايات المختلفة في المجلس وانتخابهم، وممارسة دوره الوطني شريكاً للحكومة، رغم أن هذا المجلس لم يكن البادرة الأولى نحو الحكم الشعبي، إذ أنشأ السلطان قابوس المجلس الاستشاري في عام 1981. وفي سياق إعادة الهيكلة، فُتِـح المجـال أمـام المرأة العمانيـة للمشاركة في العملية الانتخابية من دون تقييده بنسبة معينة كما في الماضي، إذ اقتصر ترشيحها سابقاً على ولايات محافظة مسقط الست، ثم ارتفعت النسبة إلى 10 في المئة من كتلة المرشحين، لتصل في الانتخابات الرابعة إلى 30 في المئة، وأصبح المجال مفتوحاً أمامها في الفترة الخامسة. وتتنافس حالياً 20 امرأة، من أصل 717 مرشحاً، للفوز بعضوية مجلس الشورى.
ولا يزال العمانيون يصنفون انتخابات مجلس الشورى في إطار «التجربة»، يضاف إليها رقمٌ جديد كل ثلاث سنوات. وفي السياق، قال المرشّح يونس بن سبيل البلوشي، الذي يرأس اللجنة الاقتصادية في مجلس الشورى المنتهية ولايته، إنه يجب عدم «الاستعجال» في خطوات تعزيز المشاركة الشعبية في القرار السياسي، في إشارة إلى عدم جهوزية الناخب العماني وعدم إدراكه حجم المسؤولية، وخصوصاً أنه رفض في البداية أن يترك له خيار القرار.
وفي ظل الجو الانتخابي والسياسي الهادئ الذي اختارته السلطنة منذ بداية إعادة هيكلتها على طراز الدولة الحديثة، المترافق مع تحالفها مع الولايات المتحدة بصفتها من أوائل الدولة الخليجية التي سمحت للقوة العظمى باستخدام قواعدها العسكرية، لا يبدو قول الرئيس الأميركي جورج بوش مستغرباً، حين نعت «السلطان قابوس بالرجل الملهم. نستمع إلى نصائحه التي تبقى في أذهاننا، والأهم من ذلك أنه صديق».