strong>طوني صغبيني
أزمــة دارفـــور تــؤرّق أنجمينــا... والانتـشار الفرنســي ينـــذر بتصعيـد

تميّز التاريخ الحديث لتشاد، منذ نيلها الاستقلال في ستينيات القرن الماضي عن فرنسا، باضطرابات سياسية وانقلابات عسكرية، حتى يكاد تعبير «التمرد» و«النزاع المسلح» يكون ملاصقاً لأي تعاطٍ إخباري مع هذا البلد. اضطرابات كان آخرها التمرّد الذي اختتم يوم الجمعة الماضي باتفاق وقّع برعاية ليبية.
مثل معظم الصراعات في أفريقيا، تتغذّى الفوضى التشادية من الانقسامات العرقية والدينية والنزاعات على الموارد الطبيعية، فيما يسيل لعاب القوى الدولية التي تستغل انهيار الدولة لوضع يدها على الثروات الهائلة من النفط والذهب واليورانيوم.
وبالإضافة إلى الانقسامات العرقية، توفّر عوامل عديدة أرضية خصبة لازدهار النزاعات المسلحة: استبداد نظام الحكم، وكثافة انتشار السلاح، وتدني مستوى التعليم، وسوء توزيع موارد الدولة، ولا سيما عائدات النفط، على أكثر من 200 جماعة عرقية تتكوّن منها تشاد. وكانت أزمة إقليم دارفور في غرب السودان مصدر ضغط كبير على الجار التشادي الغارق في أزمة مالية خانقة. ورغم دعم المنظمات الدولية، ظلّ الموقف الإنساني في الجزء الشمالي الشرقي من تشاد بالغ الخطورة، بعدما تدافع صوبه نحو 200 ألف لاجئ سوداني من أجل الطعام والماء والملجأ، بل أكثر من ذلك، فقد طالب عدد كبير من ضباط الجيش التشادي الحكومة بدعم المتمردين في دارفور، الذين ينتمون إلى الجماعة العرقية نفسها التي ينتمي إليها الرئيس إدريس ديبي (قبيلة الزغاوى التي يعيش ثلثها في دارفور وثلثاها في تشاد).
وبعد فشل محاولات الوساطة التي قام بها، رضخ الرئيس التشادي أخيراً لضغوط ضباطه الكبار، الذين أغدقوا المساعدات العسكرية والتسليحية واللوجستية على متمردي دارفور، وخاضوا المعارك ضد بعض الفصائل الموالية للحكومة السودانية.
في هذا الوقت، كانت التطورات الداخلية تتسارع في أنجمينا، حيث انتُخب ديبي للمرة الثالثة رئيساً في أيار 2006 بعد تعديل الدستور، في اقتراع قاطعته أحزاب المعارضة التي تتهمه بالفساد.
وفي تشرين الثاني من العام الماضي، أعلنت الحكومة حالة الطوارئ في بعض المناطق، كما شكلت لجنة للرقابة على جميع الصحف والمحطات الإذاعية العامة والخاصة.
وفي ظلّ ما رآه البعض تقاعساً من ديبي في دعم إخوانه في الدم في دارفور، بالإضافة إلى خلافات على تقاسم السلطة والثروة، سببها الأساسي مشروع خط أنابيب نفط من تشاد إلى الكاميرون، انشقّ عدد من كبار ضباط الجيش لينضموا إلى حركة التمرد في الشرق، التي ضمّت، بالإضافة إليهم، مجموعات أخرى تنتمي إلى قبائل التاما المنضوية في «الجبهة الموحدة للتغيير»، بقيادة محمد نور.
وبلغ التمرد العسكري ذروة تصعيده العام الماضي عند مهاجمة العاصمة أنجمينا بمئات المقاتلين، انطلاقاً من الحدود السودانية ـــــ التشادية، لمنع إعادة انتخاب ديبي. وعلى أثر الهجوم الفاشل، توترت العلاقات بين الخرطوم وأنجمينا، اللتين تبادلتا التهم بدعم المتمردين في كلا البلدين، وصلت إلى حد الصدامات الحدودية وقطع العلاقات الدبلوماسية.
وبعد جهود الوساطة الليبية، توصلت الحكومة التشادية الجمعة إلى اتفاق مبدئي للسلام، توّج باتفاق نهائي وقّعه في مدينة سرت الليبية الرئيس التشادي والرئيس السوداني عمر البشير والفصائل المتمردة الأربعة الأساسية التي تتخذ من السودان مقراً لها. ونصّ الاتفاق على عفو عام عن المتمردين وتقاسم الثروات معهم وإعطائهم جزءاً من السلطة التنفيذية، ودمج المقاتلين منهم في صفوف الجيش التشادي، في مقابل وقف فوري لإطلاق النار وتوقيف محاولات إطاحة الحكم، وتسليم السلاح والتحول إلى أحزاب سياسية.
لكن رغم ذلك، يبقى الوضع في تشاد غير مستقر، إذ لم تحل العديد من الاتفاقات في الماضي دون تجدّد أعمال العنف، علماً بأن الحكومة مددت أول من أمس حالة الطوارئ القائمة منذ 16 تشرين الأول في شمال البلاد وشرقها إثر تجدد الاشتباكات بين قبائل تاما وزغاوة.
وما قد يزيد الأمر تدهوراً هو الانتشار المرتقب للقوة العسكرية الأوروبية البالغة قوامها 3000 جندي، معظمهم فرنسيون، والمجهزة بأسلحة ثقيلة، في شرق تشاد، في المنطقة الحدودية مع أفريقيا الوسطى والسودان، إحدى أغزر منابع النفط الأفريقي. وأعاد هذا القرار الأوروبي إلى الأذهان صورة «فرنسا شرطي أفريقيا»، ومعروف أن باريس لا تزال تحتفظ إلى اليوم بقاعدة عسكرية في تشاد تدخّلت ضدّ المتمردين في 2006.
وفيما تبقى أزمة دارفور متفاقمة، يبقى إمكان تدهور الوضع قائماً بقوة على كل الجبهات، وخصوصاً بعد تهديد الرئيس التشادي للسودان في مؤتمر السلام يوم الجمعة الماضي بأنه «إذا حاولت أي دولة في المستقبل تسليح التشاديين ضد الحكومة فسندخل مباشرة في حرب ضد هذه الدولة».