strong>ربى أبو عمو
يشعر الشعب الكويتي بالإحباط والمرارة إزاء استمرار الخلافات بين الحكومة ومجلس الأمة (البرلمان)، ما دفع أمير البلاد الشيخ صباح أحمد الصباح إلى التدخل وتحذير السلطتين التشريعية والتنفيذية من تجاوز صلاحياتهما أو تعدّي إحداهما على صلاحيات الأخرى.
هذه اللهجة المتوجسة، كانت مصحوبة بموقف صارمٍ، إذ أعلن صباح الأحمد أنه «لم يعد مقبولاً أن نفسح المجال لمن يريد العبث بمقدرات وطننا وتمزيق وحدته وصفوف أبنائه»، وملمّحاً بصورة غير مباشرة إلى نظرية «المؤامرة الخارجية».
وتدخل الأمير يعود إلى الحالة الصدامية التي تعتري علاقة الحكومة والبرلمان، والتي دفعت الأمير نفسه الأحد الماضي إلى إجراء تعديل حكومي واسع لتجنيب عدد من الوزراء الاستجوابات البرلمانية.
الحالة الصدامية هذه تمثّل سمة الحكومات المتعاقبة على مدى «التاريخ الديموقراطي» للكويت، التي تميّزت باستباقها العمل السياسي خليجياً، فهي الدولة الأولى التي فتحت باب المشاركة السياسية الحقيقية للمواطنين، وتتمتّع ببرلمان منتخب من الشعب، تشكّل للمرة الأولى في 29 كانون الأول من عام 1963 غداة صدور الدستور عام 1962، واستقلال الكويت قبل ذلك بعامٍ واحدٍ.
إلاّ أن هذه الديموقراطية لم تمنع نشوب أزمات دستورية وسياسية، وخصوصاً أن جميع التعديلات الوزارية جاءت نتيجة أزمة أو مواجهة بين البرلمان والحكومة، وليس في سياق توجهات جديدة للدولة. وألِفت البلاد عملية حل البرلمان التي تكرّرت ثلاث مرات في الأعوام 1976 و1986 و1999، وبقيت الحياة البرلمانية معطلة في المرة الأولى مدة خمس سنوات، وفي الثانية ست سنوات، بينما أعيد تشكيل البرلمان سريعاً في المرة الأخيرة عبر الانتخابات.
والمشكلة بصورة عامة تتلخص في عدم غلبة أي من السلطات أو الأجهزة على الأخرى، باستثناء الأمير الذي يتمتع بصلاحيات وسلطات تفوق أي سلطة في الدولة. وغالباً ما يلجأ الأمير عند احتدام الأزمة بين السلطتين إلى إجراء تعديلٍ في التشكيلة الحكومية، أو حل البرلمان.
في المقابل، يأخذ مجلس الأمة على الحكومة عدم تقدّمها ببرنامج عمل واضح، إلا أنه لا يملك قوة فعلية لإجبارها على التراجع، فيلجأ دائماً إلى أسلوب الاستجوابات البرلمانية بالتوازي مع إثارة الحملات الإعلامية.
ويرى الكاتب السياسي الكويتي عبد الواحد خلفان أن سبب هذه العلاقة التصادمية بين السلطتين يعود إلى غياب الخطط الحكومية لتنمية البلد. كما يعزو سبب التصعيد إلى الاستجوابات السياسية التي تأتي في إطار المصالح الشخصية للنواب.
أما الكاتب بدر الخضري، فيرى، من جهته، أن الحكومة لم تتوقع ظهور مجلس قوي إلى هذه الدرجة بعد فوز الحركة الدستورية الإسلامية والحركة السلفية والتجمّع السلفي في الانتخابات الأخيرة.
ويبدو من الصعب اختصار الأزمة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية بعنوان واحد. إذ تحولت ظاهرة طريفة تتمثّل في وجود فائض مالي ضخم، نتيجة ارتفاع أسعار النفط عالمياً وقلة عدد السكان، إلى أزمة بينهما لجهة كيفية إنفاقها؛ فعقب الوفرة المالية التي تراوحت بين 26 و30 مليار دولار، ارتفعت أصوات نحو 50 نائباً تطالب بتوزيع بعض الفائض على الشعب بمعدل 34 ألف دولار لكل مواطن من السكان الأصليين وعددهم مليون نسمة فقط. وأثمر ضغط النواب عام 2005 دفع الحكومة 680 دولاراً لكل مواطن، إضافة إلى زيادة 170 دولاراً على رواتب المواطنين الكويتيين و6800 دولار على المخصصات الشهرية لكل عائلة.
واشتعلت الأزمة بين السلطتين أيضاً في ظل رفض الحكومة سن قوانين لتشكيل الأحزاب السياسية في البلاد. كما أُثير جدل حول قانون المطبوعات الجديد الذي قدمته الحكومة ورفضت التعديلات البرلمانية عليه.
ويمكن القول إن السبب المبطن لتلك الأزمات يظهر في عدم تبلور مفهوم الديموقراطية في البلاد لناحية تأليف البرلمان والحكومة. فالأول تغلب عليه الارتباطات القبلية، لتبقى الثانية خاضعة بغالبيتها لإملاءات الأمير.