نيويورك ــ نزار عبود
الحرب الأميركية على إيران أصعب من أن يتصورها حتى أعتى رجال السياسة وأكثرهم حنكة في لعبة الدول. إذ يرى زبيغنيو بريجنسكي، مستشار الأمن القومي في عهد الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر، أن نسبة احتمالات الحرب مع طهران بسبب ملفها النووي تراوح بين عشرين وثلاثين في المئة. أما كارتر فيرى الحرب شائعة تمنى أن تكون كاذبة، ووصفها بـ«الحرب التائهة»، مشيراً إلى أن حصولها «خطأ مريع».
إذا كان هذا كلام العقلاء في الولايات المتحدة، فإن الجهال هم الغالبية. إذ لا تخلو طبعة من صحيفة صغيرة أو كبيرة أو نشرة أخبارية عن كلام على الحرب الوشيكة مع إيران. وإذا كان الكلام مجانياً، فإن أسواق الطاقة تدفع ثمناً باهظاً للشائعات. سعر برميل النفط اقترب من سقف المئة دولار للمرة الأولى في التاريخ. لم لا والرئيس الأميركي جورج بوش، بطل كل الحروب المعاصرة، حذّر من نشوب حرب عالمية ثالثة، وكبار ضباط وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) يتحدثون عن إمكان الانتصار على إيران بالرغم من وجود 180 ألف جندي أميركي منتشرين بين أفغانستان والعراق.
المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، محمد البرادعي، الذي قدّم تقريره السنوي في مطلع الأسبوع إلى الأمم المتحدة، أدرى الناس بأوهام الإدارة الأميركية، التي تصدقها وتسعى إلى فرضها على الآخرين بشتى الوسائل؛ فهو خبر التجربة العراقية عن كثب واستخلص منها كل العِبر والعَبَرات. قال إنه «لا يملك دليلاً واحداً على أن إيران تعمل حقاً على إنتاج أسلحة نووية». واستبعد فكرة بلوغ أي حل غير الحلول «الدبلوماسية والتفتيش».
تقرير البرادعي كان واضحاً بأنه لم يجد مسوغات تجعله يعتقد بوجود برنامج نووي عسكري، بما في ذلك التجارب المخبرية التي أجريت على مادة البلوتونيوم.
في المقابل، ترى إيران أن عضويتها في الوكالة الدولية للطاقة الذرية ينبغي أن تمنحها امتيازات مثل مساعدتها تقنياً وتوفير كل الأبحاث والمشورة اللازمة بما في ذلك في مجال التخصيب. لذا قال مندوبها الجديد لدى الأمم المتحدة، محمد خزائي، أمام الجمعية العامة مساء أول من أمس، «ما من شك بتاتاً في أن الإجراءات الأميركية الأحادية بحق إيران ستؤدي فقط إلى إضعاف المفاوضات الحالية وإضعاف التعاون بين إيران والوكالة. ويكفي القول بوضوح إنه ليس هناك من عمل غير عقلاني تقدم عليه الولايات المتحدة سيؤدي إلى ثني إيران عن مواصلة سعيها لنيل حقوقها ومصالحها الشرعية».
لكن مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط، نيكولاس بيرنز، كان قد وعد الشهر الماضي بأن يُعدّ مشروع قرار جديد لزيادة العقوبات الدولية على إيران قبل منتصف تشرين الأول الجاري. غير أن الولايات المتحدة لم تجد تجاوباً في هذا الشأن من روسيا والصين. وهما في وضع لا تحسدان عليه؛ فإذا رفضتا التعاون في مجال العقوبات، تخشيان أن تذهب الدول الأوروبية والولايات المتحدة نحو خيار غربي محض ينتهي بما انتهت إليه، أو بدأت به، الحرب العراقية. وإذا صوتتا على قرار بزيادة العقوبات، فهناك خطر بأن تستخدم الدول الغربية القرار لتبرير العدوان انطلاقاً من تجميع الذرائع الورقية.
وسواء جمعت الولايات المتحدة ذرائع أو اصطنعت أخرى، فإن الموقف الأميركي الحقيقي يتسم بانعدام الوضوح في الوسيلة اللازمة لفرض الإرادة بالأسلوب الدبلوماسي أو العسكري. فتجارب العقوبات السابقة من فيتنام وكوبا والعراق وغزة لم تفلح.
في الشهر المقبل، ستعود الدول الخمس الدائمة العضوية وألمانيا لعقد اجتماعات جديدة للتشاور بشأن مشروع عقوبات جديدة. وستقدم واشنطن ولندن وباريس دلائل استخبارية على أن برنامج إيران النووي ليس معداً للأغراض السلمية. لكن كل تقارير الاستخبارات لم تعد مستساغة من دون الكثير من «الملح والحامض».