أرنست خوري
مؤتمر إسطنبول لوزراء دول جوار العراق، الذي يُعقَد غداً وبعد غد في تركيا، سيحمل طابعاً استثنائياً هذه المرّة، إذ سيجد كل من وزيري خارجيّة سوريا وليد المعلّم، وإيران منوشهر متّكي، نفسيهما في موقع مختلف عن الدفاع عن النفس، الذي وُجدا فيه على امتداد مؤتمرات الجوار العشرة التي عُقدَت منذ 2003، والتي حملت عنواناً مركزيّاً وهو ضبط الحدود مع العراق ودعم حكومة بغداد المركزيّة لوقف تهريب الأسلحة والمقاتلين...
في هذه الدورة من اللقاءات التي ستجمع إلى وزراء خارجيّة الدول التي تملك حدوداً مشتركة مع بلاد الرافدين، الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن والدول الصناعية الكبرى والمنظّمات الإقليمية والدولية، سيكون ملفّ حزب العمّال الكردستاني في مقدّمة بنود جدول أعمالها، ليحتل مكان الاتهامات الأميركيّة لسوريا وإيران بدعم دخول المقاتلين والعتاد والذخيرة لمقاتلة القوّات الأميركيّة والنظاميّة العراقيّة.
قد تتحوّل وزيرة الخارجيّة الأميركيّة كوندوليزا رايس (التي أكّدت حضورها)، إلى متَّهَم ليس من قبل أنقرة فحسب، على خلفيّة ما تقول السلطات التركيّة إنه غضّ نظر أميركي عن حزب العمّال الكردستاني الذي يستعمل أسلحة أميركيّة رغم تصنيفه على لائحة التنظيمات الإرهابيّة، بل أيضاً من جانب متّكي، الذي سبق أن كشف بُعيد لقائه مع نظيره التركي علي باباجان في طهران قبل أيّام عن تأكّد بلاده من أنّ واشنطن وتل أبيب تدعمان حزب العمّال بجناحيه التركي (pkk) والإيراني (بيجاك).
ويُستَشفّ من الجولة التي قام بها متّكي إلى كلّ من دمشق وبغداد عشيّة لقاء اسطنبول، أنّ السلطات الإيرانيّة تنسّق الموقف مع حليفها السوري (الذي سبق له أن أعلن موقفاً داعماً لنيات تركيا العسكريّة في شمال العراق على لسان الرئيس بشّار الأسد من أنقرة قبل أسبوعين)، لتحويل المؤتمر إلى محطّة تنقلب فيها الأدوار: فتصبح الولايات المتّحدة هي الداعمة لـ«الإرهاب»، بينما تصوّر كلمات الثنائي المعلّم ـــــ متّكي بأنّ دمشق وطهران تقفان إلى جانب أنقرة في الجهود للضغط على واشنطن بغية التحرّك الفوري ضدّ النشاطات العسكريّة لهذا الحزب.
وقبل تفجّر الأزمة الكرديّة أخيراً، كان من المفترَض أن يحمل جدول أعمال المؤتمر عدداً من القضايا أبرزها: تقويم التعاون الذي تبديه الدول المجاورة وفي مقدّمتها إيران وسوريا مع السلطات العراقيّة في المواضيع الأمنيّة والحدوديّة، ودعم المصالحة الوطنيّة في العراق وتقوية وجود الأمم المتّحدة في البلاد، ونتائج اجتماعات اللجان الثلاث التي انبثقت عن مؤتمر شرم الشيخ في أيّار الماضي (وهي لجان الأمن والطاقة واللاجئين).
وكانت أصوات عراقيّة، أبرزها وزير الخارجيّة هوشيار زيباري، قد أشارت إلى أنّ هذه الدورة من الاجتماعات ستكون «الأهمّ على الإطلاق من بين الاجتماعات السابقة» التي وصفها بأنّها «كانت تقتصر على إلقاء التحيّات وتنتهي ببيانات ختامية تنصّ على إعلانات نيات وعلى التضامن مع العراق».
غير أنّ التطوّرات على الجبهة الكرديّة ـــــ التركيّة أتت بجديد غير متوقَّع سيضع حكومة نوري المالكي في موقع المتفرّج على نقاشات معسكري أميركا / تركيا ـــــ إيران ـــــ سوريا؛ فبغداد ترى أنها قدّمت كلّ ما لديها من خلال المقترحات التي حملها الوفد الوزاري العراقي إلى أنقرة يومي الخميس والجمعة الماضيَين، وعرَض «توريط» القوّات الأميركيّة في الأزمة، من خلال اقتراحه بأن تتسلّم هذه القوّات مسؤوليّة الحدود المشتركة في الجبال الوعرة في كردستان لكي تراقب حركة المقاتلين الأكراد. عرض رفضه الجانب التركي باعتبار أنّ الأميركيّين لا يزالون في موقع الاتّهام على الأقلّ من ناحية عدم التحرّك لقمع الوجود الكردي في شمال العراق أوّلاً، وثانياً بسبب وصفهم لهذا الاقتراح بأنه «غير عملي» ويحتاج إلى إجراءات لوجستيّة تستنزف الوقت.
ومن المُتوقَّع أن تكون خلوة رايس ورئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان على هامش المؤتمر، «بروفا» للقمّة المنتظرة يوم الاثنين المقبل في واشنطن بينه وبين الرئيس جورج بوش، بحيث إنّ رسالة الأخير للأميركيّين ستكون واضحة: إمّا أن تقرّروا التضحية بعلاقاتنا الثنائيّة الاستراتيجية (إذ تبقى تركيا الحليف الشرق أوسطي الأهم بالنسبة إلى واشنطن من بعد إسرائيل) لمصلحة حليفكم الكردي في شمال العراق، أو تمدّوا لنا يد المساعدة (قد تكون عسكريّة)... وفي كلتا الحالين، فإنّ جنرالات الحرب الأتراك المتحمّسين للخيار العسكري الشامل لن يصبروا إلى الأبد.