ربى أبو عمو
بالنسبة إلى الشعب الإسباني، كان يوم أمس بمثابة فرصة الانتقام الوحيدة لضحايا تفجيرات مدريد التي وقعت في 11 آذار من عام 2004، بعدما دان القاضي خافيير جوميث برموديث 21 متهماً من أصل 28، بتورّطهم في الاعتداءات التي أدّت إلى مقتل 191 شخصاً وإصابة نحو 1800 آخرين، لتنتهي بذلك أطول محاكمة في تاريخ إسبانيا.
ووصف رئيس الوزراء خوسيه لويس رودريغيز ثاباتيرو الأحكام بحق منفذي التفجيرات بـ«المثالية». وتجمّعت أسر الضحايا داخل المحكمة وسط إجراءات أمنية مشدّدة، وشعور بـ«التوتر والقلق». إلاّ أن الأحكام بالسجن، التي أصدرتها أعلى محكمة أسبانية لمدة تتجاوز 30 ألف سنة بحق ثلاثة من المتهمين، كانت كافية لتبديد شعور الغضب الشعبي الذي استمرّ نحو أربع سنوات، وأدّى إلى تغيير الوجهة السياسية للبلد.
فبعد ثلاتة أيام من التفجيرات، التي استهدفت أربعة قطارات خلال توجهها إلى مدريد، كانت إسبانيا على موعد مع الانتخابات العامة التي أنهت 8 أعوام من حكم الحزب «الشعبي» اليميني بقيادة خوسيه ماريا أثنار، وفوز الحزب الاشتراكي، الذي كان بمثابة رد اعتبار للشعب الإسباني، ولا سيما أن الحكومة السابقة اتُهمت بالتلاعب في المعلومات عن الجهة التي وقفت وراء تفجيرات 11 آذار. فبعدما أصرّت حكومة أثنار على اتهامها لمنظمة «إيتا» الانفصالية بتنفيذ الهجمات، أعلنت «القاعدة» مسؤوليتها عنها.
وشكّل ارتباط «القاعدة» بالهجوم النهاية السياسية لأثنار، إذ جاءت في إطار الرد المباشر على دعم حكومته الحرب على العراق، وهي الخطوة التي عارضها نحو 90 في المئة من الشعب الإسباني. وقال عدد كبير من المتظاهرين، الذين خرجوا في مسيرات سلمية عقب التفجيرات، إن الشعب الإسباني دفع ضريبة الحرب على العراق من خلال تلك الهجمات. ووصفت صحيفة «الموندو» رحيل أثنار عن الساحة السياسية بأنه «وداع مرير بعد حياة لم تسلم من الإرهاب».
وغداة إعلان فوز الحزب الاشتراكي، أعلن ثاباتيرو سحب القوات الإسبانية من العراق، منصاعاً بذلك لرغبة الشعب الإسباني. كما وصف الحرب بـ«الكارثة»، ليضع نفسه في موقع الخلاف مع الرئيس الأميركي جورج بوش ورئيس الوزراء البريطاني السابق طوني بلير، أقوى حلفاء إسبانيا في الحرب على الإرهاب، وخصوصاً في مواجهة منظمة «إيتا» الانفصالية.
وبانسحاب قواتها من العراق، لم تتوقف إسبانيا الاشتراكية عن مكافحة الإرهاب. ودعا ثاباتيرو جميع أجهزة الدولة، بعد صدور الحكم، إلى توحيد الصفوف والعمل «يداً واحدة للتصدي للإرهاب بكل أشكاله»، ليكسب بخطوة محاكمة الضالعين في التفجيرات واستبعاد تورّط منظمة «ايتا» فيها، الرأي العام الإسباني على طريقته، لا على طريقة بوش وأثنار الذي ادّعى أنه «الرجل الأقوى عبر الصعاب».