باريس ــ بسّام الطيارة
محاولة لكسر موجات الهجرة غير الشرعية التي تتوالى على الشواطئ الجنوبية لأوروبا


لا يكفّ الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي عن إظهار عزمه على تنفيذ الوعود التي أطلقها خلال حملة الانتخابات التي أوصلته إلى قصر الإليزيه. ومن أبرز هذه الوعود السعي لإنشاء «اتحاد دول حوض المتوسط».
وفي خطابه الأخير أمام مؤتمر السفراء الفرنسيين، جعل ساركوزي هذا الهدف واحداً من سبل التصدّي «للمواجهة بين الإسلام والغرب»، التي يرى فيها الرئيس الفرنسي «أحد أهم التحديات التي يواجهها العالم».
وقد تفتّقت فكرة اتحاد دول حوض المتوسط لدى ساركوزي عام ٢٠٠٥ أثناء زيارة للرباط خرج منها بانطباع عن «إفلاس» عملية برشلونة، وهو الاسم الذي أطلق على الحوار الأوروبي المتوسطي الذي انطلق عام ١٩٩٢، والذي جمع الاتحاد الأوروبي وعشر دول محيطة بالمتوسط.
وطوّر ساركوزي هذه الفكرة خلال مراحل الحملة الانتخابية، وصرّح أكثر من مرة بأنه سيعمل لهذا «الاتحاد الجديد» «بتوافق مع الاتحاد الأوروبي للوصول يوماً إلى إنشاء مؤسسات مشتركة»، وأن ما سبق القيام به للوصول إلى الاتحاد الأوروبي منذ ستين سنة «سنقوم به من أجل قيام اتحاد لدول المتوسط».
وبحسب الخطة المعلنة لساركوزي، التي تتطوّر يومياً، فإن الدول التي تم التواصل معها من أجل تأسيس هذا الاتحاد هي من الجانب الأوروبي: قبرص واليونان وإيطاليا ومالطا والبرتغال وإسبانيا. ومن الجانب المتوسطي كل من المغرب والجزائر وتونس وليبيا ومصر ولبنان وسوريا وإسرائيل وفلسطين، إضافة إلى الأردن على رغم أنها ليست من الدول المطلّة على البحر الأبيض المتوسط. وتضاف تركيا إلى هذه الدول، مع إمكان ضم دول بلقانية أظهرت اهتمامها مثل سلوفينيا ورومانيا.
وقد رأى المراقبون في بادئ الأمر أن إطلاق هذه الفكرة يرمي إلى «التحايل على عملية انتساب تركيا إلى الاتحاد الأوروبي»، التي جعل ساركوزي من رفض فكرتها أحد شعاراته الانتخابية، وأنه يطبق نظرية «استيعاب ردة فعل رفض انضمام تركيا» عبر انفتاح جديد، وخصوصاً أنه لوّح بـ«دور قيادي» لأنقرة في هذا الاتحاد في حال تبلوره.
إلا أن فكرة الاتحاد الجديد المقترح، مثلما كان «حوار برشلونة» الذي وضع تحت شعار «سياسة حسن الجوار»، تهدف إلى جعل لأوروبا دور في مسألة الشرق الأوسط بشكل عام والملف الفلسطيني الإسرائيلي بشكل خاص. ففي عام ١٩٩٥، كانت مبادرة السلام، التي بُنيت عليها اتفاقات أوسلو، تلفظ أنفاسها مع ازدياد وتيرة بناء المستعمرات وابتعاد تل أبيب عن تنفيذ أي من تعهداتها والتزاماتها، فكان الهدف المنشود «وضع معارضي اتفاقات أوسلو على الطاولة نفسها»، مثل سوريا ولبنان، والبناء على ترغيب اقتصادي والتلويح بفتح أسواق أوروبا لكسر شوكة المعارضة وإعادة دينامية السلام.
ويستطيع ساركوزي، الذي يتباهى بدعمه لإسرائيل وبصداقته مع بعض الزعماء العرب، أن «يبيع» هذه الفكرة على أنها تفتح «أبواب تطبيع» أمام إسرائيل، وأبواب أوروبا أمام دول الجنوب عبر المساعدات المباشرة وغير المباشرة التي يمكن أن تحصل عليها جراء انتمائها إلى الاتحاد الجديد.
إلا أن الدعوة إلى الاتحاد المتوسطي تحوي في فحواها «كثيراً من الأهداف الجديدة»، التي تضاف إلى الأهداف السابقة التي ورثتها من «عملية برشلونة»، وهي أهداف «أوروبية داخلية» تنعكس أيضاً على الأوضاع الفرنسية. وتأتي في طليعتها محاولة كسر موجات الهجرة غير الشرعية التي تتوالى على الشواطئ الجنوبية لأوروبا. فالتلويح بإمكان «بناء مؤسسات مشتركة» مع الاتحاد الأوروبي لا يعني بالإطلاق «فتح الحدود أمام تنقل الأفراد بحرية» كما هي الحال في أوروبا حالياً. ويقول أحد الدبلوماسيين «يجب الإبقاء على حدود واضحة» بين أوروبا والشرق. وبخلاف هذا، فإن فتح أبواب أوروبا للسلع المصنعة في دول جنوب المتوسط لم يشكل أي عقبة، وخصوصاً أن الدخول في نوع من «التعاقد المؤسساتي» بين دول الاتحاد سيفتح أبواب الاستثمار واسعة أمام المصانع والرساميل الأوروبية التي ستزيد من وتيرة انتقالها سعياً وراء اليد العاملة الرخيصة.
ويرى ساركوزي أن «أفضل طرق لوقف الهجرة غير الشرعية هو تنمية المناطق التي تأتي منها هذه الهجرة»، وبالتالي إيجاد فرص عمل في جنوب المتوسط ما يخفف من وطأة الهجرة ومن المشاكل الاجتماعية والحضارية التي تسببها في المجتمعات الأوروبية.
ومع إطلاق فكرة الاتحاد المتوسطي، بدا أن تركيا ستكون العائق أمامها، لأنها رأت فيها محاولة لإبعادها عن الانتماء للاتحاد الأوروبي، إلا أن انتخاب عبد الله غول رئيساً لتركيا وتلوين الحكومة التي ألّفها، ووُصفت بأنها «أوروبية»، إضافة إلى الليونة التي أظهرها الرئيس الفرنسي خلال خطابه الأخير حيال احتمال انضمام تركيا الى الاتحاد عندما أعلن أنه «يمكن ان يقبل بمواصلة المفاوضات مع أنقرة إذا وافق أعضاء الاتحاد على التفكير في مستقبل أوروبا عبر تشكيل لجنة حكماء»، جعلت من الفكرة أكثر واقعية، ولا سيما أن مفاوضات انضمام أنقرة يمكن أن تدوم ما بين عشر سنوات وخمس عشرة سنة، وبالتالي فإن فكرة الاتحاد المتوسطي، يمكن أن تكون بمثابة «راحة انتظار لتركيا» إلى حين تُفتح أبواب أوروبا.
أما بالنسبة إلى الدول العربية، فيقول أحد الدبلوماسيين المتابعين لهذا الملف إن اتحاد دول البحر المتوسط يمكن أن «يشكل إطاراً للتقارب بين هذه الدول» ويسمح بالدخول في مرحلة التطبيع مع إسرائيل من باب الاقتصاد، تماماً كما حصل بين ألمانيا وفرنسا عقب الحرب العالمية الثانية.
ويضيف أن هذه الفكرة المطلوب بلورتها «مع الوقت» لا تشكل أي منافسة لما يمكن أن تقوم به اللجنة الرباعية، بل تعمل على تعبيد طريق الحوار بين الأطراف.

الدول التي تم التواصل معها من أجل تأسيس هذا الاتحاد هي من الجانب الأوروبي: قبرص واليونان وإيطاليا ومالطا والبرتغال وإسبانيا. ومن الجانب المتوسطي كل من المغرب والجزائر وتونس وليبيا ومصر ولبنان وسوريا وإسرائيل وفلسطين، إضافة إلى الأردن على رغم أنها ليست من الدول المطلّة على البحر الأبيض المتوسط. وتضاف تركيا إلى هذه الدول، مع إمكان ضم دول بلقانية أظهرت اهتمامها مثل سلوفينيا ورومانيا