حاوره: حسن شقرانيتصوير: مروان طحطح

«ديموقراطي تقدّمي»، هكذا تصف بعض الأوساط النائب الأميركي دينيس كوتسينيتش، المخضرم في السياسة والآمل بالفوز بترشيح «الديموقراطي» إلى الانتخابات الرئاسيّة. زار لبنان وسوريا للترويج لمبدأ «القوّة من خلال السلام». يرى الحرب على إيران «كارثيّة» والانسحاب من العراق والحوار مع دمشق حتميّين للاستقرار. مواقف عبّر عنها في حديث إلى «الأخبار»، في ما يلي نصه:
  • ما الهدف الرئيسي لزيارتك إلى لبنان وسوريا، في هذه الظروف؟
  • وما الرسالة التي حاولت إيصالها بصفتك مرشّحاً محتملاً للرئاسة الأميركيّة؟
    - أظنّ أنّه مهمّ جدّاً للقادة السياسيّين الأميركيّين مدّ اليد للعالم العربي. لا يمكننا إرساء السلام من دون مساعدة القادة العرب، كما نحن في حاجة إلى الشعور مع الناس (في الشرق الأوسط) ومعاناتهم، لذلك سنتوجّه إلى الجنوب (اللبناني) لأنّ الموضوع متعلّق أكثر بالناس العاديّين من السياسة. وبصفتي مرشّحاً للرئاسة الأميركيّة، أنا أناقش مع الزعماء في العالم مبادئ عقيدة أمنيّة جديدة تدعى «القوّة من خلال السلام» تمثّل الآتي: التزام بحوار مفتوح، وإدارة للمفاوضات، ودبلوماسيّة، واحترام القانون الدولي والاتّفاقيّات والدساتير. وما تفعله هذه الاستراتيّجية تحديداً هو إطاحة أسس عقيدة المحافظين الجدد، التي حكمت الولايات المتّحدة منذ زمن طويل، والقائمة على: الأحاديّة الدوليّة للسيطرة، الحرب كأداة سياسيّة، والضربات العسكريّة الاستباقيّة، وجميعها فاشلة. ورأينا ذلك في احتلال العراق، والتصعيد غير المجدي مع إيران، وعزل سوريا، وعدم السعي إلى تسويات في لبنان. إنّني أمدّ يدي إلى العرب والمسلمين كي يفهموا أنّ هناك زعماء في الولايات المتّحدة يتفهّمون ويستطيعون التحدّث إلى الجميع.

  • هل كانت هناك رسائل معيّنة من الرئيس السوري بشار الأسد إلى اللبنانيّين؟
  • وماذا لمست لدى المسؤولين في بيروت؟
    - خلال حديثي معه، عبّر الرئيس الأسد عن أهميّة الاستقرار في لبنان، وهو يعلم أنّ عدم الاستقرار سيؤثّر على المنطقة كلّها. لديه أمل (في تسوية لبنانيّة) وبأنّ اللبنانيّين سيتوحّدون في الاستحقاق الرئاسي. في بيروت، التقيت الرئيس (إميل) لحّود و(ميشال) عون، و(فؤاد) السنيورة، وجميعهم مؤمنون بوجود أمل والتزام بالحوار الضروري ورغبة في الوحدة. وإذا تصرّفوا مثلما يتحدّثون فهناك تسوية، وإذا عكس ما أعربوا عنه فشيء آخر.

  • كيف سيتعاطى برأيك الرئيس جورج بوش مع احتلال العراق، في ظلّ اقتراب الاستحقاقات في هذا الشأن، ومع إيران، وخصوصاً أنّ الأجواء تنذر بضربة عسكريّة قريبة؟

  • - على الولايات المتّحدة الخروج من العراق، وإقفال القواعد، وإعادة الجنود، وذلك في موازاة جهود دوليّة لإحلال قوّات سلام. وهذه العمليّة يجب أن تشمل حواراً شاملاً، لأنّه لا يمكن التوصّل إلى استقرار من دون مشاركة دمشق وطهران، ولا يجب فعل ذلك أساساً. وحدي بين الديموقراطيّين والجمهوريّين (في الكونغرس) وقفت لأعارض بوش في استراتيجيّة فرض التغيير على إيران، لأنّ الهجوم (على الجمهوريّة الإسلامية) غير حكيم وغير مجد ولا يمكنه إلّا أن يؤدّي إلى كارثة في الشرق الأوسط والعالم.

  • ولكنّ الحديث يدور عن عمليّة عسكريّة تعتمد «الصدمة والترهيب»، مداها الزمني قصير، وتستهدف شلّ النظام، لا الاحتلال وتبعاته كما حدث في العراق.
    - أنا ضدّ أيّ عمل عسكري لأنّه لا يعتمد على أيّ أسس شرعيّة. إيران لا تشكّل خطراً على الولايات المتّحدة، ولا تنوي مهاجمتها عسكرياً، ولا تملك أسلحة نوويّة. لا أستطيع فهم رؤية المرشّحين الأميركيّين إلى الرئاسة، والتي تفترض أنّ جميع الحلول مطروحة في التعاطي مع إيران. لا أفهم كيف يمكن لأحد (رئيس جديد أو الحالي) إقحام الولايات المتّحدة في حرب جديدة تعرّضها لخطر جديد. أوليس احتلال العراق كافياً. جيشنا خسر نحو 3800 جندي في العراق، والحرب هناك كلّفتنا بين 1 و2 تريليون دولار. هل يمزحون. نحتاج الأموال لإعادة تأهيل مدارسنا وجسورنا. نحو 47 مليون أميركي لا يملكون تأمينات صحيّة. هل يعتقدون أنّ الشعب الأميركي سيرضى بإنفاق تريليون دولار إضافي على حرب جديدة. مستحيل، الأميركيّون لن يرضوا.

  • ماذا عن الخطر الذي تشكّله إيران على حلفاء الولايات المتّحدة في المنطقة؟
  • الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد يريد «تدمير» إسرائيل؟
    - ما نقل عن الرئيس نجاد ليس دقيقاً. أنا اعتمدت ترجمة عن (صحيفة) «نيويورك تايمز» يوضح أنّه يريد تغييراً في النظام فقط (في تل أبيب). وبشكل عام، إذا أدلى أيّ رئيس في العالم بتصريح خطير كهذا فيجب أخذ الموضوع بجديّة والدخول مباشرة في حوار جاد لكي يُشرح له: هل تعرف خطورة تصريحاتك؟

  • تعتمد السير على خطّ رفيع جدّاً في تبريراتك.
    - الطريق إلى السلام يستوجب ذلك. أنا ضدّ أيّ اعتداء على إيران وعلى إسرائيل. وضدّ فرض قادة على أيّ أمّة، فأنا لا أرغب أن تفرض الصين مثلاً على الأميركيّين من سيكون رئيسهم.

  • هل ستتغيّر النظرة الأميركيّة إلى «حزب الله» و«حماس» بعد الانتخابات الرئاسيّة الأميركيّة العام المقبل؟

  • - ليس من واجبنا تحديد من سينتخبه الناس (في فلسطين ولبنان) وليس لدينا الحقّ. ورغم مصالحنا، علينا احترام حريّة الاختيار لدى الشعوب. الإدارة الأميركية وضعت مشروعاً أمام الكونغرس قبيل انتخابات التشريعيّة الفلسطينيّة في عام 2005 تطلب فيه حثّ الفلسطينيّين على عدم التصويت لـ«حماس». قلت لهم تعتقدون أنّ للشعب العراقي حقّ حريّة التعبير واختيار ممثّليه وتطلبون قلب المعادلة في فلسطين؟ هل هناك بينكم من يعتقد أنّه إذا قالت الولايات المتّحدة للفلسطينيّن لا تنتخبوا «حماس» فسيستمعون إليها؟
    وفي ما يخصّ «حزب الله»، على الولايات المتّحدة أن تعي كيفيّة التعاطي مع مجتمعات مؤلّفة من أحزاب سياسيّة بعقائد متباعدة جدّاً. علينا العمل مع الحكومات وليس القول لها من يجب أن يشارك في الحكم. الحزب الجمهوري (الأميركي) أقحم الولايات المتّحدة في حرب العراق، فهل علينا القضاء عليه (سياسياً)؟ طبعاً لا. أنا لا أقارن بين «حزب الله» و«الجمهوري» ولكن لا يجب أن نفرض رؤيتنا على حكومات العالم. لكلّ أمّة الحق في الدفاع عن نفسها ضدّ أيّ تهديد خارجي أو داخلي، كما تعاملت الحكومة اللبنانيّة مع (جماعة «فتح الإسلام»). «حزب الله» كان منخرطاً في حرب مع إسرائيل العام الماضي. لا يمكننا تغيير كيف يشعر مناصروه تجاهه، ونحرم الأمّة (اللبنانيّة) من مقوّمات الدفاع عن نفسها. هذه حقوق في مبادئ حقوق الإنسان.

  • إلى أيّ درجة تلعب المصالح الاستراتيجيّة الأميركيّة في هذا السياق؟

  • - كرئيس للولايات المتّحدة (في حال انتخابي)، فإنّ رؤيتي للمصلحة الاستراتيجيّة الأميركيّة ستكون السلام العالمي. يُنظر إلى الولايات المتّحدة على أنّها أنموذج، إذا روّجنا للحرب، فإنّ الحروب هي ما نخلق. والتفكير المحافظ يقود مباشرة إلى المقبرة.

  • كيف تتحدّث عن حلول سلميّة بوجود «الإرهاب»؟
  • الضربة الاستباقيّة الأولى كانت الهجمات الإرهابيّة في نيويورك في عام 2001.
    - الإرهاب الدولي قائم على مجموعات وعناصر وليس دول. الرئيس بوش استغلّ هجمات 11 أيلول لاحتلال العراق. لدى الأمم الحقّ في الدفاع عن أوطانها. في عام 2001، كان العالم كلّه ينتحب مع الولايات المتّحدة وكان الوقت مناسباً لتقديم إطار (سياسي وأمني) يوحّد شعوب وحكومات العالم في الحرب على الإرهاب. احتلال العراق أدّى إلى مقتل أكثر من مليون عراقي. هذا يعني أحداث 11 أيلول يومياً على مدى 400 يوم.

  • لو كنت في البيت الأبيض في 11 أيلول 2001، وهناك «طالبان» في أفغانستان، والولايات المتّحدة منكوبة. ماذا كنت لتفعل؟

  • - أنا صوّتت (بعد الهجمات) على مشروع قرار لضرب القواعد التدريبيّة لـ«طالبان» في أفغانستان، وكان ذلك ردّاً مناسباً. أمّا احتلال طويل الأمد (كما هي الحال الآن)، لا محال. كما نحتاج الآن إلى مساعدة دوليّة للخروج من العراق. نحتاج كذلك إلى مساعدة للخروج من أفغانستان. آن الأوان لنا لأداء دور جديد في العالم. قلت للشعب الأميركي إنّني أؤمن بـ«القوّة من خلال السلام»، كما أؤمن بالدفاع عن النفس، وعلينا معرفة الفارق بين الهجوم والدفاع. للأسف، العديد من الديموقراطيّين والجمهوريّين لا يزالون يؤمنون بفكرة الأحاديّة والحرب كأداة سياسيّة لفرضها. أنا الوحيد في عالم السياسة الأميركيّة الذي يرى الحقيقة ويقولها، وأعتقد أنّ العديد من العرب والأميركيّين أصبحوا يدركون أنّهم يمكنهم الثقة بي.

  • السيناتوران هيلاري كلينتون وباراك أوباما يتصدّران الاستطلاعات في السباق على ترشيح الحزب الديموقراطي إلى الانتخابات الرئاسيّة. هل تعتقد أنّ الولايات المتّحدة جاهزة كي يترأسها رجل أسود أو امرأة؟

  • - الأميركيّون انتخبوا العديد من المسؤولين بعقائد مختلفة ومن أصول وأجناس وألوان متفرّقة، لمناصب رفيعة. وإذا قرّر الشعب الأميركي «تغيير الاتّجاه»، فأنت تنظر الآن إلى الرئيس المقبل للولايات المتّحدة الأميركيّة.

    «العمدة الأسوأ» الذي استهدفته المافيا!

    «بدأت مسيرتي السياسيّة منذ 40 عاماً. ودعني أخبرك شيئاً عنّي، ولدت ونموت في مدينة كليفلاند. أنا الأكبر بين 7 أشقّاء. والدي كان سائق شاحنة. العائلة كبرت بوتيرة سريعة لدرجة أنّنا لم نمتلك منزلاً. بقينا نتنقّل بين البيوت المستأجرة ووجدنا مشاكل كبيرة في ذلك. عندما بلغت السابعة عشرة، كنّا قد عشنا في 21 منزلاً مختلفاً، بينها بضع سيّارات. أعرف ما يعانيه الناس وكيف يتعبون لتأمين سقف فوق رؤوسهم وطعام على موائدهم وإرسال أولادهم إلى المدرسة ودفع فواتير الطبابة. أنا أفهم ذلك، ما يعطي أهميّة للخيارات التي أقترحها. الأميركيّون يريدون السلام ولا يريدون أن يموت أولادهم في الحروب، هذا كابوس وجنون».
    بهذا الإسهاب يصف دينيس كوتسينيتش، الحائز في عام 2003 «جائزة غاندي للسلام»، تجربته في الحياة. المواجهات في مسيرته السياسيّة كثيرة. عندما كان عمدة لمدينة كليفلاند، المنصب الذي خدم فيه حتّى عام 1979، رفض بيع الشركة العامّة «موني لايت»، التي تنتج الكهرباء للمدينة، ما دفع «المافيا» إلى تكليف قاتل لاغتياله برصاصة في رأسه خلال «استعراض كولومبوس». إلّا أنّ المكيدة فشلت بحكم بقاء كوتسينيتش في منزله يومها بداعي المرض. وعندما وقعت المدينة بعدها في تخلّف في دفع مستحقّات شركتها، ألغت «المافيا» مخطّط الاغتيال. وضعته مجموعة من الخبراء على لائحة «أسوأ عمدة في تاريخ المدن الكبيرة» (الأفضل والأسوأ بين زعماء المدن الكبرى: 1820 - 1993)، فيما يشدّد مناصروه على أنّه حافظ على وعوده الانتخابيّة بعدم بيع «موني لايت»، وبالتالي خصخصتها، مشيرين إلى شجاعته في تحدّي الشركات الضخمة.
    كانت «الشركة الائتمانيّة في كليفلاند» مسؤولة عن تأخّر المدينة في دفع الديون. وخلال سنوات، بقيت هذه الديون تتقلّب وتتأجّل. في عام 1998، كرّم مجلس بلديّة كليفلاند، كوتسينيتش لـ«شجاعته وبعد نظره» ووقفته في وجه المصارف وإنقاذ المدينة من خسائر تقدّر بـ 195 مليون دولار بين عامي 1985 و1995.

    شهد عام 1969 نجاح كوتسينيتش في الوصول إلى المجلس البلدي في كليفلاند، وكان يبلغ حينها 23 عاماً. في عام 1997، انتُخب عمدة للمدينة لـ 3 أعوام، عاش بعدها فترة عصيبة، اضطرّ للعمل في بعض مراحلها مذيع برامج. بقي حتّى عام 1994 يعيش «حياة هادئة في نيو مكسيكو». في ذلك العام، انتخب عضو مجلس شيوخ، ثمّ استطاع بعدها بسنتين حجز مقعد في مجلس النوّاب عن الدائرة العاشرة في أوهايو. ولا يزال حتّى الآن