طهران ـــ طارق ترشيشي
تعويم يمهّد لـ«المعتدلين» الطريق إلى الرئاسة


بعدما انتخب الشيخ علي اكبر هاشمي رفسنجاني، رئيساً لمجلس خبراء القيادة، خلفاً لآية الله المشكيني، بات الرجل ممسكاً السارية من طرفيها، فهو رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام، وصار في الوقت نفسه رئيساً لمجلس خبراء القيادة.
في الموقع الأول، يرأس مجموعة كبيرة من الشخصيات ذات الخبرة وذائعة الصيت التي من مهمتها تحديد مصلحة نظام الجمهورية الإسلامية في أي شأن يطرح داخلياً وخارجياً، واقتراح أفكار تخدم هذه المصلحة. وفي الموقع الثاني، بات يرأس مجلساً من أبرز مهماته مراقبة القيادة الإيرانية بكل مستوياتها، من المرشد السيد علي خامنئي نزولاً الى بقية المواقع القيادية بما فيها موقع رئيس الجمهورية.
واذا كانت وفاة رئيس مجلس خبراء القيادة قد أسهمت أو عجلت في وصول رفسنجاني الى رئاسة هذا المجلس خلفاً للمشكيني، فإن رفسنجاني تمكّن من إعادة تفعيل حضوره على الساحة السياسية الإيرانية الداخلية والخارجية بعد هزيمته في الانتخابات الرئاسية امام منافسه الرئيس الحالي محمود أحمد نجاد قبل أكثر من سنة وثلاثة أشهر، ليعود الى الترشح ربما للرئاسة مرة أخرى بعد انتهاء الولاية الرئاسية الحالية، التي دخلت سنتها الثانية والبالغة أربع سنوات.
بعض المطّلعين في طهران يقولون إن اختيار رفسنجاني بعد فوزه على منافسه آية الله أحمد جنتي في المجلس المؤلف من 75 عضواً، «لم يكن مصادفة ولا القدر الذي ذهب بآية الله المشكيني، بل جاء استناداً الى رؤية مسبقة تكوّنت لدى القيادة الإيرانية تقوم على أن الشعب الإيراني قد جرّب الاصلاحيين اثناء ولاية الرئيس السابق محمد خاتمي، وهو جرب ويجرب الآن المحافظين برئاسة نجاد، وبات يميل في ضوء تجربته مع الفريقين الى التيار المعتدل أو «التيار الوسطي» الذي يمثله رفسنجاني، المختبَر من الإيرانيين أصلاً عندما شغل منصب رئاسة الجمهورية لولايتين. وهذا ما يمكن أن يعطي المعتدلين فرصة تبوّء رئاسة الجمهورية، بعد انتهاء ولاية احمدي نجاد» ولو عبر شخصية غير رفسنجاني.
لكن الحديث في طهران يعطي هذا التطور بعداً آخر، وهو أن «انتخاب رفسنجاني رئيساً لمجلس خبراء القيادة، تعبير من تعابير اللعبة الديموقراطية، او لعبة تداول سلطة يتميز بها نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية منذ نشوئه» وأن «نظرة إلى التجربة التي مر بها هذا النظام تعكس هذه الميزة التي يتفرد بها بين أنظمة كثيرة، خلافاً لنظرة البعض إلى ايران على انها جمهورية إسلامية متطرفة».
ويسخر أصحاب هذا الحديث، وبعضهم في مواقع السلطة، من بعض التفسيرات التي «أعطيت لفوز رفسنجاني على أنه كان ردّاً على الدعم الذي منحه المرشد خامنئي للمحافظين حتى تمكنوا من الفوز برئاسة الجمهورية». ويقول هؤلاء إن «خامنئي ليس اصلاً طرفاً في اللعبة السياسية الإيرانية الداخلية، بل هو مرشد للجميع ويمسك بكل خيوط هذه اللعبة، ولو كان طرفاً، لكانت إيران على غير ما هي عليه اليوم من حيوية وموقع على المستويين الداخلي والخارجي، ولذا فهو يدير لعبة ديموقراطية مصلحة تسمو فيها إيران على أي تناقضات داخلية، حيث إن الجميع يختلفون حول الاسلوب لكنهم مقتنعون بالقضايا والثوابت الاستراتيجية التي تتعلق بوجود إيران وأدوارها الإقليمية والدولية».
ويضيف هؤلاء أن رفسنجاني يدرك أنه لا يستطيع أن يتعاطى بمنطق «الثأر» من خصومه السياسيين، لأنه في نهاية المطاف يقف والآخرين تحت المظلة التي يؤلفها المرشد الذي يدير ما يشبه «حكومة ظل» لها «وزراؤها» في كل المجالات، الذين يقدمون له التقارير عن اوضاع البلاد، وهو قبل ايام رفض استقبال مسؤولي الجامعات الإيرانية لأنهم لم يحملوا إليه تقريراً عملياً كان قد طلبه منهم ويتعلق بسبل تطوير التعليم الجامعي في ايران، وتم إرجاء هذا اللقاء الى حين إعداد هذا التقرير.
واذا كان من بين صلاحيات مجلس خبراء القيادة انتخاب المرشد، فإن تولّي رفسنجاني رئاسته، وهو في الرعيل الاول الذي عاصر الإمام آية الله الخميني، يعني أن ذلك بمثابة «تكريم» له، بعدما تدرّج، منذ انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية، في كثير من المواقع القيادية؛ فهو كان من المعاونين الكبار للإمام الخميني، وتولّى رئاسة مجلس الشورى (البرلمان) ثم تولّى رئاسة الجمهورية لولايتين متتاليتين، ويتولّى منذ سنوات رئاسة مجلس تشخيص مصلحة النظام، والآن بات رئيساً لمجلس خبراء القيادة.
ويقول بعض المطّلعين على خفايا الأمور في طهران، إن الهزيمة الانتخابية التي مني بها رفسنجاني في مقابل نجاد، وتهم الفساد التي لاحقته وعدداً من أفراد عائلته، التي تمتلك مصالح تجارية كبيرة في إيران، أكلت الكثير مما راكمه الرجل على مدى عقود من الثورة. وأضافوا أن المرشد يرى، على ما يبدو، في رفسنجاني ضمانة لاستمرار الثورة، في حال غيابه، باعتباره من أوائل قادتها، كذلك هو استراتيجي محنّك، يجيد اللعبة الداخلية الإيرانية، وكيفية إبقاء النظام على شاطئ الأمان. لذلك، يضيف هؤلاء، أراد خامنئي «إعادة تعويم رفسنجاني، مكافأة له على نضالاته على مدى سنوات، ولإبقائه حصناً منيعاً للنظام في مواجهة المتغيرات المقبلة».