حيفا ــ فراس خطيب
حال الرعب ليست الأثر الوحيد لصواريخ المقاومة الفلسطينية في سديروت، بل يبدو أنها خلقت واقعاً اجتماعياً جديداً؛ عشرات العائلات اليهودية هجرت المستوطنة، ليحلّ بدلاً منها أكثر من 50 عائلة عربية من عملاء الاحتلال الإسرائيلي في غزة. عملاء بدأوا اليوم مطالبات قانونية لاستجلاب عائلاتهم من القطاع. بل إنهم يطالبون ببناء مسجد ومقبرة. حال أثارت صراعاً في المدينة، التي يطالب سكانها اليهود باقتلاع العملاء الفلسطينيين منها لأنهم «عبء» عليهم.
ومعروف أن هؤلاء العملاء، جزء صغير من عائلات عملاء أسكنتهم السلطات الإسرائيلية بعد الانسحاب من غزة في القرى العربية داخل الخط الأخضر، رغم رفض فلسطينيي 48.
وأشارت القناة الأولى الإسرائيلية الرسمية، في تقرير لها، إلى أنه في البيت الرقم 165 في شارع «موشيه ربينو»، الأكثر تضرراً من الصواريخ في سديروت، تسكن عائلة من العملاء، رفض أفرادها الظهور أمام الكاميرا. وفي البيت الرقم 91، تسكن عائلة أخرى، قال بعض أفرادها إنهم وجدوا العيش في سديروت، تحت تهديد الصواريخ، أفضل بكثير من العيش في قرية أو مدينة عربية حيث لم يتم استيعابهم.
ويقول أحد أفراد العائلة، وهو فتى لم يتعدّ الخامسة عشرة من العمر، إنه وعائلته قدموا من مدينة شفا عمرو، الواقعة في منطقة الشمال إلى جانب مدينة حيفا، واصفاً الحياة في سديروت بأنها «أفضل بكثير من شفا عمرو». ويروي الفتى، الذي يتحدّث العبرية بطلاقة، أنه يملك الكثير من الأصدقاء اليهود والعرب (العملاء) في سديروت.
ورغم شعور الفتى، إلا أن العملاء في سديروت لا يحظون باحترام أهل المدينة اليهود، حتى إن تاريخ العمالة مع الاحتلال لم يكن كفيلاً بقبولهم أو حتى استيعابهم في المجتمع اليهودي. وفي مقابلة مع طفل يهودي في الخامسة من عمره، وصف «جيرانه العرب» بأنهم «غير طيبين، هم يريدون قتلنا. هؤلاء ليسوا عرباً صالحين، هؤلاء من غزة».
إلا أن شقيقته حاولت إنقاذ الموقف. وقالت له «هؤلاء ليسوا من العرب الذي يطلقون علينا القسام. هؤلاء عرب صالحون يحبوننا». لكن الطفل ظل مقتنعاً بأنهم «ليسوا صالحين، وهم من يضربوننا بالقسّام».
مرة أخرى، حاولت شقيقته إصلاح الموقف بالقول «هذا هو موقف الأطفال عندما يعيشون في ظل القسّام، يعتقدون أن كل عربي هو عربي سيء»، لكن الطفل قاطعها بالقول «أنا لم أقل إن العرب كلهم سيئون. أنا قلت عن عرب غزة. اسكتي».
ويمثّل المحامي اليهودينتان شنايدر 30 من عائلات العملاء الـ50 التي تسكن سديروت. ويقول إنه يقود «حملة قضائية عنيدة» لمصلحة العملاء، من أجل «حقهم في استجلاب أبناء عائلاتهم من قطاع غزة الى سديروت». وأضاف إن «المتعاونين قدَّموا إلى الدولة أكثر من الكثير من عائلات إسرائيلية تعيش في إسرائيل، لكن السلطات تتجاهلهم. يحق لهم كل شيء».
العملاء في سديروت لا يطالبون فقط بمسجد، بل صاروا ينافسون سكان المدينة اليهود في السوق التجارية، ما أدَّى إلى توتر واضح بين الطرفين. ويقول صاحب أحد المتاجر في سديروت إنَّ عمّاله تعرضوا للضرب من جانب عائلات العملاء. وأضاف «يجب على السلطات الإسرائيلية أن تعالج هذه القضية الملحّة. على السلطات إخراجهم فوراً من هنا».
مدينة سديروت، في هذه الآونة تحديداً، لا تشهد ظاهرة إسكان العملاء فقط، بل هجرة سكانها اليهود منها. وتظهر في التقرير امرأة أنهت شراء أغراضها من محل تجاري واستقلت سيارة أجرة لتنقلها 50 متراً فقط من المتجر حيث تسكن. وعندما سئلت عن السبب، أجابت «من الخوف. فالخوف يأكلني من الداخل».