عبارة «صراع الأخوة» الفلسطينيين بين حركتي «حماس» و«فتح» لم تبق في إطارها الإنشائي، بل تحوّلت واقعاً على الأرض، جهد خلالها الأهل في الحفاظ على مكان وسط بين الأشقاء.ولم يتوقع الفلسطيني حمدان محمود أن يؤدي خلاف «فتح» و«حماس» إلى تدمير العلاقة الأخوية بين ولديه محمد ومحمود، اللذين كانا على خير ما يرام قبل الانقسام الحاد بين الحركتين.
فالعلاقة بين الشقيقين، اللذين يعمل أحدهما في القوة التنفيذية الموالية لحركة «حماس» والآخر في جهاز الأمن الوقائي الموالي لحركة «فتح»، وصلت إلى طريق مسدود بعد سيطرة «حماس» على قطاع غزة قبل نحو ثلاثة أشهر. ويقول حمدان محمود إنه فوجئ بابنيه يتعاركان بعدما احتد النقاش بينهما في باحة المنزل حول الممارسات التي تقوم بها الأجهزة الأمنية في الضفة الغربية وقطاع غزة، لكنه تدخل وتمكّن من فض النزاع بينهما قبل أن تحدث «الكارثة».
ويشعر الحاج محمود بالأسى للحال الذي وصل إليه ولداه، ويقول: «كثيراً ما جمعتهما ساحة المواجهة مع قوات الاحتلال. لكن ما يفرقهما أصبح أكثر مما يجمعهما مع تصاعد حدة الخلافات بين حركتيهما ووصولها إلى الانقسام الحاد».
و«الكارثة»، التي تمكن الحاج محمود من منع حدوثها في منزله، وقعت بالفعل في عائلة أخرى، عندما تطور خلاف وجدل حول حركتي «حماس» و«فتح» بين أبناء عمومة في عائلة المجايدة جنوب قطاع غزة إلى اقتتال دام قبل نحو أسبوعين، انتهى بقتيل وأكثر من 10 جرحى وانشطار العائلة شطرين يؤيد أحدهما «حماس» والآخر حركة «فتح». ويقول الحقوقي ياسر عبد الغفور، الذي ينشط في مؤسسة تعمل على توثيق تداعيات الصراع بين حركتي «حماس» و«فتح»: «لقد وثقنا العديد من الحالات التي اندلعت فيها شجارات داخل العائلة، بل داخل البيت الواحد. وقد سُجل وقوع ضحايا في العديد من هذه الحوادث». وأشار إلى أن «الاقتتال بين الإخوة على خلفية سياسية بات منتشراً، بعدما أصبح الولاء للتنظيم والفكر السياسي مقدماً على الولاء للعشيرة والعائلة في الكثير من الحالات». وذكر أن العديد من الضحايا الذين تمّت مقابلتهم تحدّثوا عن اشتراك أقرباء لهم في عمليات الاعتقال أو التنكيل التي تعرضوا لها أو الوشاية بما يقومون به، وهو ما يولد نقمة كبيرة داخل العائلات ويزيد من حالة الشرخ الآخذة في التنامي في المجتمع».
ويشير مدير مركز التدريب المجتمعي وإدارة الأزمات في غزة، الدكتور فضل أبو هين، إلى أن الانقسام السياسي الحاصل بين «حماس» و«فتح» أدى إلى «انقسام اجتماعي، وفي الكثير من الأحيان أدى إلى انقسام أسري، لأن كل طرف يحمّل الآخر المسؤولية الكاملة ويصوّره كتلة من الإجرام والوحشية ويصوّر نفسه كتلة من الملائكية».
ويرى أبو هين أن «الكارثة الحالية، بتأثيراتها النفسية والاجتماعية، أخطر من نكبة 1948، وغيرها من النكبات التي مر بها الشعب الفلسطيني، لأن كل هذه النكبات أدت إلى تماسك المجتمع، لكن هذه الكارثة أدت إلى تفتيته وانقسامه»، مشيراً إلى أن هناك ثقافة مجتمعية تتغيّر بشكل خطير «فثقافة التعاطف والتحابب انقلبت إلى كراهية وتشفٍّ».
(يو بي آي)