واشنطن ــ محمد سعيد
منذ يوم أمس، دخل الاحتلال الأميركي للعراق مرحلة جديدة ستكون مفتوحة على مزيد من الموت والدمار والتوتّر الإقليمي، مع الإعلان الرسمي للرئيس جورج بوش عن أنّ عديد الجيش الأميركي في بلاد الرافدين سيبقى أكثر من 130 ألف جندي حتّى انتهاء ولايته بأقل تقدير، في ظلّ الرفض القوي الذي قابله ديموقراطيو الكونغرس لما سمّوه «خذلان بوش للشعب الأميركي بقرار البقاء في العراق الى لا نهاية»


كما كان متوقّعاً، أعلن الرئيس جورج بوش فجر أمس تبنّيه لتوصيات رجليه القويين في العراق، قائد قوات الاحتلال الجنرال دايفيد بيترايوس وسفيره لدى بغداد ريان كروكر، بسحب عدد محدود من جنوده من بلاد الرافدين بحلول شهر تموز المقبل.
وحاول البيت الأبيض تحقيق ما عجز عنه كلام بوش لإقناع المعارضين لاستراتيجيته الحربية، فوزع تقريراً رسمياً جديداً يفيد أنّ الحكومة العراقية حقّقت 9 أهداف من أصل 18 سبق أن وضعها الكونغرس لها. وأشار التقرير، الذي نُشر مرفقاً ببيان صادر عن المتحدّث باسم البيت الأبيض طوني سنو، أنّ حكومة نوري المالكي استطاعت منذ تموز الماضي، أن تخطو جدّياً في مجال المصالحة الوطنية «من خلال اتفاق زعماء البلاد من جميع الطوائف على تعديل قانون اجتثاث البعث»، في إشارة الى الاتفاق الخماسي الذي وقّعه زعماء العراق قبل نحو شهر في بغداد.
لكن وزارة الخارجية الأميركية اعترفت، من جهتها، في تقريرها الرسمي السنوي الذي تصدره عن الحريات الدينية في العالم ونشرته أمس، بأنّ العراق سجّل تراجعاً كبيراً من ناحية احترام حقوق الطوائف الدينية في ممارسة شعائرها بسبب المجازر الطائفية اليومية.
وقال بوش، في خطاب نقلته شبكات التلفزة الرئيسية، إنه أمر بسحب 5700 جندي من العراق بحلول نهاية العام الجاري، وإنه سيعقب ذلك انسحاب تدريجي لـ15 لواءً مقاتلاً من أصل 20 حتى صيف 2008. علماً بأنّ عدد جنود اللواء العسكري الواحد يبلغ نحو أربعة آلاف جندي، وبالتالي، فإن عدد الجنود الذين سينسحبون من العراق يُقدّر بنحو 20 آلاف جندي من صفوف الفرق الإضافية التي كان قد أرسلها بوش إلى العراق في شباط الماضي والتي تبلغ نحو 30 ألف جندي.
وقال بوش «لقد استشرت رئيس هيئة أركان الجيوش المشتركة، وأعضاءً آخرين من فريقي للأمن القومي، والمسؤولين العراقيين وقادة الحزبين في الكونغرس واستفدت من نصيحتهم، وقبلت اقتراحات الجنرال بيترايوس وأمرته والسفير كروكر بتعديل خطتهما المشتركة للعراق لكي نتمكّن من تنظيم مصادرنا العسكرية والمدنية استناداً لذلك، كما أمرتهما بتقديم تقرير جديد إلى الكونغرس في آذار المقبل».
وبدا واضحاً في خطاب بوش المقتضب، بأنّه يوجّه جزءاً من كلامه إلى معارضي بقاء قوات الاحتلال من الحزب الديموقراطي، عندما حثّ مواطنيه المنقسمين حيال الحرب الى «الاتحاد مجدداً»، وجزءاً آخر الى «جيران» العراق وعلى وجه التحديد إيران وسوريا.
ورأى بوش أن نجاح «عراق حرّ أمر حيوي للأمن القومي للولايات المتحدة، لأنه سيحجب عن القاعدة ملاذاً آمناً، ويعارض الطموحات التدميرية لإيران وسوريا ويمثّل مرساة للاستقرار في المنطقة ويجعلنا أكثر أمناً هنا في الداخل».
وخاطب بوش الداخل الأميركي المعارض لاستراتيجيته بالقول «مهما كان الحزب السياسي الذي تنتمون إليه، ومهما كان موقفكم من العراق، علينا أن نكون قادرين على الموافقة على الأموال المطلوبة لتمويل قواتنا لأن لأميركا مصلحة حيوية في منع الفوضى وإشاعة الأمل في الشرق الأوسط، والاتفاق على أنه علينا أن نهزم القاعدة، ونواجه إيران وسوريا، ونساعد الحكومة الأفغانية، ونعمل من أجل السلام في الأرض المقدسة، ونقوّي جيشنا لكي نتمكن من التفوق في الصراع ضد الإرهابيين والمتطرفين».
وطالب بوش الحكومة العراقية بمزيد من التقدم على الصعيدين الأمني والسياسي، وجزم بأن وتيرة خفض القوات ستعتمد على النجاح الميداني، وأن الوجود العسكري هناك سيستمر الى ما بعد فترة ولايته.
وكرّر بوش إشارته إلى ما يحصل في الأنبار، الذي وصفه بأنه «مثال جيد لنجاحنا»، كاشفاً أنّ جميع الزعماء العراقيين السنّة شكروه خلال زيارته إلى هذه المحافظة العراقية. كما عبّر عن حزنه الشديد لمقتل رئيس مجلس صحوة الأنبار الشيخ ستّار أبو ريشة أول من أمس قائلاً «لا يزال العدو في محافظة الأنبار ناشطاً وقاتلاً وفي وقت سابق اليوم (أول من أمس الخميس) اغتيل أحد مشايخ القبائل السنية الشجعان الذي ساعد على قيادة الثورة ضد القاعدة لكن بإمكان الآخرين الاعتماد على دعمنا المستمر لهم».
وفور انتهاء الخطاب، اتّهم الديموقراطيون، ممثَّلين بالسيناتور جاك ريد، بوش شخصياً بـ«محاولة خداع الشعب الأميركي من خلال الادّعاء أنه استجاب للمشاعر المتزايدة المعادية للحرب في حين أنه في الواقع لا يُجري أي تغيير جوهري في سياسته الخاصة بالعراق».
وقال ريد، في خطاب تضمّن ردّ حزبه وبثّته شبكات التلفزة الأميركية، «إن الخفض المقترح محدود جداً، وذلك يعني وجوداً عسكرياً بلا نهاية وغير محدود في العراق»، مؤكّداً أن حزبه «سيعيد تحديد طبيعة المهمة العسكرية داخل الكونغرس».
وأضاف ريد «هذا المساء، استمعت أمّة ترغب في تغيير المسار في العراق الى الرئيس الذي فشل في تقديم خطة لإنهاء الحرب أو إعطاء سبب مقنع لاستمرارها»، واصفاً «الوجود العسكري الذي لا نهاية له (بأنه) ليس خياراً». وتابع «إن الأميركيين كانوا توّاقين لتغيير في استراتيجية الحرب المستمرّة منذ أربع سنوات لكنّ بوش خذلهم».
بدوره، وصف السيناتور الديموقراطي المرشّح للانتخابات الرئاسية باراك أوباما خطّة بوش لخفض عدد القوات المسلّحة بأنها «ليست انسحاباً مهمّاً»، مطالباً «بوضع نهاية لهذه الحرب فوراً» من خلال وضع جدول زمني «مسؤول وسريع».
وبينما تولّى آية الله علي خامنئي الردّ الإيراني على خطاب بوش، الذي اتّهم بلاده بالعمل على ضرب استقرار العراق أمنياً وسياسياً، قال مندوب سوريا لدى الولايات المتحدة عماد مصطفى إن «دمشق تدعم حكومة نوري المالكي بكل أطيافها». وأبلغ مصطفى هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي» أن الرئيس الأميركي «يوجّه التحذيرات والإنذارات إلى سوريا منذ فترة طويلة جداً، لكننا سنصرّ على رؤية وطنية وقومية واضحة وشاملة للمشاكل التي تحدث في منطقتنا وللتحديات الكبرى للمشروع الأميركي ـــــ الإسرائيلي، ليس في العراق وحسب، بل عبر المنطقة كلّها».
وذكّر مصطفى بأنّ حكومة بلاده «تربطها علاقات طيبة وجيدة بالحكومة العراقية وجميع قطاعات الشعب العراقي وفئاته السياسية من دون استثناء لمساعدتهم على تخطّي المحن الناجمة أولاً وأخيراً عن الاحتلال الأميركي».