نيويورك ـ الأخبار
في أيار الماضي، أنتُخب المقدوني سيرجان كريم رئيساً للدورة الثانية والستين للجمعية العامة للامم المتحدة. لكن النبأ لم يصل إلى وسائل الإعلام، ولم يذع إلّا في إذاعة الأمم المتحدة في نيويورك. فهل شأن المنظمة الدولية، وخصوصاً الجمعية العامة للأمم المتحدة، بات لا يهم الشعوب إلى هذا الحد؟
منذ 62 عاماً والمنظمة الدولية تسعى لنيل اعتراف بمركز يتجاوز دور الإطفائي والمسعف وجمعيات الإحسان بعد انهيار الهياكل واحتراقها. وعندما ترسل الأمم المتحدة قوات لحفظ السلام، تطلب أن يكون هناك سلام لكي تحفظه بدلاً من أن تفعل شيئاً عملياً لفرض السلام قبل حفظه. شعب الصومال مثلاً كان يفضّل تركه وشأنه على أن تتدخّل الأمم المتحدة لتفرض سلاماً بأدوات إثيوبية تغتال الأمن، الذي قالت إنها تودّ أن تصنعه.
وعندما استغاث أهالي البوسنة وسائر دول البلقان، لم تكن الأمم المتحدة على مستوى المسؤولية فتركت المنطقة نهباً للحلف الأطلسي. وفي الشرق الأوسط، يعرف الطفل قبل الكهل أن إسرائيل قامت في وثائق الأمم المتحدة قبل أن تصبح دولة على أرض الواقع.
أما في العراق، فنالت الأمم المتحدة في الأيام الأولى من عمر المحنة نصيباً دامياً بتفجير مقرها في بغداد، ولا تزال بعثتها هناك تلعق جراحها وتتردّد في أداء دور أكبر، ولم تجد دموعاً كثيرة تذرف عليها.
الحدود السياسية كانت مصيبة أفريقيا الأولى. والأمم المتحدة جعلت تلك الحدود المستحدثة، حتى بعد تفكيك التركة الاستعمارية، غير نهائية. فتزداد الخشية من تجزئة الدول المجزأة مرة ومرات.
هكذا بات من المعروف أن الأمم المتحدة تعمل فقط «عندما تريد لها الولايات المتحدة أن تعمل»، كما جاهر المندوب الأميركي السابق جون بولتون، وهو يدخل عشرات آلاف التعديلات على برنامج إصلاح المنظمة الدولية.
إذا كان هذا هو الحال، فلماذا يتدفق الزعماء والوزراء من مختلف أنحاء العالم إلى نيويورك كل عام لحضور افتتاح دورات الجمعية العامة؟
سيرجان كريم رأى أن بقاء الأمم المتحدة قيد الوجود منذ ما يناهز 62 عاماً «دليل على أهمية المنظمة الدولية».
هل هذا صحيح؟ مجلس الأمن الدولي مستعص على الإصلاح لأسباب معروفة. لكن لننظر إلى دور الجمعية العامة من الأساس لمعرفة ما تستطيع، أو لا تستطيع عمله.
ميثاق الأمم المتحدة حدّد دور الجمعية العامة في خطوطه العامة بـ«النظر في المبادئ العامة للتعاون من أجل حفظ السلام والأمن الدوليين، بما في ذلك نـزع السلاح، وتقديم توصيات بصدد هذه المبادئ. ومناقشة أي مسألة ذات صلة بحفظ السلام والأمن الدوليين وتقديم توصيات بشأنها. لكن هذه المناقشة تبقى مشروطة بعدم التعدي على صلاحيات مجلس الأمن.
وتناقش الجمعية العامة (مع تطبيق الاستثناء ذاته) أي مسائل تندرج ضمن نطاق الميثاق أو تؤثّر على وظائف وسلطات جهاز من أجهزة الأمم المتحدة، وتقدّم توصيات بشأن تلك المسائل. الجمعية العامة تضع دراسات وتوصيات لتعزيز التعاون السياسي الدولي وتطوير القانون الدولي وتدوينه وإعمال حقوق الإنسان والحريات الأساسية والتعاون الدولي في الميادين الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية والثقافية والتعليمية والصحية. وتقدّم توصيات لتسوية أي وضع قد يعكر صفو العلاقات الودية بين الدول لتسوية سلمية.
كما تتلقى الجمعية العامة تقارير من مجلس الأمن وأجهزة الأمم المتحدة الأخرى وتنظر فيها. كما تنظر في ميزانية الأمم المتحدة وتوافق عليها وتقرّر حجم الإسهامات المالية المقررة على الدول الأعضاء. وتنتخب الأعضاء غير الدائمين في مجلس الأمن وفي مجالس الأمم المتحدة وأجهزتها الأخرى وتعين الأمين العام بناء على توصية من مجلس الأمن.
ويجوز للجمعية العامة، في تعديل على نظامها أقرّ في 1950، اتخاذ مواقف، إذا بدا أن هناك تهديداًَ أو خرقاً للسلام، أو نشوب عمل عدواني. وهذا يحدث في إطار الدورات الاستثنائية والدورات الاستثنائية الطارئة.
ومع أن سلطة الجمعية العامة تقتصر على إصدار توصيات غير ملزمة إلى الدول بشأن القضايا الدولية، تتباهى الجمعية باتخاذ إجراءات سياسية واقتصادية وإنسانية واجتماعية وقانونية أثرت على حياة ملايين البشر في جميع أنحاء العالم. كما تفاخر بإعلان الألفية، الذي اعتمد في عام 2000، «دليلاً على مدى التزام الدول الأعضاء ببلوغ أهداف محددة لتحقيق السلام والأمن ونزع السلاح جنباً إلى جنب مع التنمية والقضاء على الفقر، وحماية البيئة، وتلبية الاحتياجات الخاصة لأفريقيا، وتعزيز دور الأمم المتحدة».